قبل الفجر حلمتُ بهتلر

عبد القادر وساط
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبدالقادر وساط
أخرج هتلر مسدسه من جيب معطفه ووضعه على صدغي.
كنا نحن الاثنين في أرضٍ خلاء، لا ثالث لنا، والشمس تلهبنا، ولا شيء من حولنا سوى السراب يلمع في البعيد.
كان هتلر بكامل زيه العسكري، وكان غاضبا جدا. عيناه جاحظتان وأوداجه منتفخة وهو يصرخ في وجهي بالألمانية، وأنا لا أفهم كلمة واحدة مما يقول.
أحسست بالضغط المتزايد للمسدس على صدغي، وبدا لي أن الفوهرر مصمم على إطلاق النار، فأيقنت من نهايتي.
فجأة، ظهرَت إيڤا براون.
انبثقَتْ من خلف تلة قريبة، وجاءت نحونا راكضة، وهي ترتدي مايوه السباحة، وخلفها الكلبة بلوندي.
ورأيتها تشير بيدها لهتلر ألا يطلق الرصاص.
كان الماء يتقاطر من جسدها الأنثوي الفاتن، مع أنه لم يكن هناك بحر في ذلك القفر الشاسع ولا بحيرة ولا نهر ولا حتى حوض سباحة.
تحاشيت النظر إليها حتى لا أؤجج غضب الفوهرر.
سمعتها تقول لي بفرنسية مكسرة:
-لا تخف، هو لن يقتلك. لن أتركه يفعل ذلك.
ثم تحدثَتْ إليه بالألمانية فأعاد المسدس إلى جيبه.
أخذت تشير إلى جهة التلة وتقول شيئا ما لعشيقها النازي، وهو يصغي إليها باهتمام شديد. أمرني الزعيم أن أتقدم أمامه ومشى هو خلفي إلى المكان الذي أشارت إليه إيڤا براون.كان هناك شباك بنكي أوتوماتيكي، ينتصب وسط الحجارة والرمل والنباتات الشائكة. الْتَمعَتْ عينا هتلر حين رآه، فأخرج من جيبه بطاقة بنكية ثم توجه نحوه بهدوء واستخرج منه عددا كبيرا من الأوراق المالية.
كانت الكلبة بلوندي تقف على قائمتيها الخلفيتين، بجانب هتلر، وتنظر إلى شاشة الشباك الأوتوماتيكي، كأنها تحاول أن تعرف المبلغ الذي سحبه الدكتاتور.
ناولني هتلر ورقة مالية ووصفة طبية وأمرني-حسب ما ترجَمَتْهُ لي إيڤا براون- أن أبحث عن صيدلية قريبة لأشتري له الأدوية المكتوبة في الوصفة.
لم يكن حولنا سوى الخلاء الموحش، لكني أخذت المال والوصفة وانطلقتُ مسرعا. سمعت الفوهرر يصرخ من خلفي بلُغَته التي لا أفهمها. أدركت أنه يتوعدني بالقتل، إن أنا هربت بالنقود ولم أعد إليه بالأدوية.
ركضت وركضت، في ذلك القفر الشاسع، ولما انقطعت أنفاسي، جلست على صخرة لأستريح.
في تلك اللحظة بالذات، سقط أصيصُ أزهارٍ من أعلى، مَرَّ على بعد سنتمترات معدودة من رأسي. بقيت أنظر إلى السماء ثم أنظر إلى شظايا الأصيص، وأتساءل من أين سقط، دون أن أجد جوابا مقنعا.
غفوت بعض الوقت، وأنا جالس على تلك الصخرة، إلى أن أيقظتني دراجة نارية تتقدم نحوي وسط الرمال. كان يقودها شاب مغربي، يضع على رأسه خوذة سوداء. توقف حين رآني. كان يحمل خلفه صندوقا مغلقا، كُتب عليه “بيتزا نوسترا”. أخبرني أنه مُوَزِّعُ بيتزا وأنه يبحث عن أدولف هتلر ليسلمه وجْبَتَي بيتزا بالسمك. سألته إنْ كان مَرَّ في طريقه بصيدلية ما، لكنه لم يكترث لسؤالي. وأنا أيضا لم أكترث لسؤاله عن مكان هتلر.
انطلق بدراجته النارية مثيرا من خلفه غبارا كثيفا. لاحظت أنه لم يمض في الاتجاه الصحيح، وتخيلت الزعيم الألماني مع عشيقته وهما يتضوران جوعا وينتظران البيتزا التي لن تأتي.
كنت أنا أيضا أشعر بجوع شديد، فقررتُ أن أبحثَ عن محل “بيتزا نوسترا” في تلك القفار. هناك يمكنني الحصول على وجبة لذيذة بنقود هتلر. ومهما يكن، فإن الدكتاتور الألماني لن يعثر علي بسهولة، إنْ هو أراد الانتقام مني.
إنه لن يظفر بي قبل أن تظفر به قوات الحلفاء.

مقالات من نفس القسم