أسامة عاطف
ولمّا كان الكرسي يحركه جيئةً وذهابًا، تراءى له عالم غريب، عالم يملؤه السكون، تذوب سماؤه في الغبطةِ اللانهائية. سكونٌ أبديٌّ حلو المذاق، وعذب. صافٍ مثل ريحٍ باردة. وبدا عالمه الكئيب أمام تلك الجماليّات، الجماليّات المدهشة والمرحة مثل نهد، عالمًا صغيرًا وهشًّا وسخيفًا. كان الحزن مثل زوبعة، زوبعة عاتية تُقلّب أيامه بين نهديها. كما يتقلّب الآن في مقعده، كما لو كان يتقلّب على النار مثل دجاجة. أجل طير، إنه من الطيور الآن، بدا له عصفورٌ يقف كالجندي المنتصب على سقيفة كابينة الاتصالات التي تلوح في الأُفق، فأشار بيده من وراء نافذة العربة. مثل طفلٍ يشير إلى لعبة أعجبته. وقال: أجل أنا عصفورٌ، طائر، أنا طائرٌ مثل غيمة. مثل حلم. ولمّا جاهد نفسه ليتوارى من الحزن، صهره الحزن، وخُيّل إليه الحلم الجميل الصافي مثل نسمة، مثل طائر، حلمًا زائلًا وسخيفًا. سخيفًا بقدر جمال العالم الذي يراه وهو يتحرّك يمنةً ويُسرة في مقعد العربة التي تُسرع، تُسرع مثل وقت، مثل حلم، يوشك أن يزول.