جماعة النباتيين المتطرفة

فن تشكيلي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن عبد الموجود

هل أخبركم عن مدينة البدناء؟

مستريحون، وأغنياء، وملابسهم زاهية، رجال بدناء ونساء بدينات، لا يعانون سوى من أمراض السمنة، ويستيقظون وقتما يشاؤون. لا يحبون السياسة، وبارت جريدتهم المحلية الكبرى، التى تصدر من ذلك الحزب القديم. صار أعضاء الحزب أنفسهم مادة للسخرية، فلم يعد لديهم ما يفعلونه سوى الحنين إلى فترات يختلط فيها الغنى بالبؤس. سمعوا أن هناك ثلاث مدن فقط فى هذا العالم، وكل منها تعيش سعادتها. هنا يلعب الذئب مع الشاة، ويمرح الأطفال بجوار الثعابين، والأطباء الكسالى البدناء يعملون ربع الوقت فقط، ويقسمون أوقاتهم بين مشاهدة التلفزيون، والتلذذ بالأطعمة، والنوم فى الحدائق، ويرتادون عيادات بعضهم البعض، يضحكون وهم يشكون أوجاعهم لزملاء فى النقابة الوحيدة التى تضمها مدينتهم. نقابة أطباء السمنة.

هؤلاء الكسالى فى توقيت ما أدركوا أن طغيان اللون الأخضر سيصيبهم بالكآبة، الأرض العفية، التى أخرجت أثقالها، وفاضت بالخير لم تترك حيزاً للون آخر، كأن زجاجة لون أخضر انسكبت على صفحة بيضاء، فى هذا التوقيت كانوا لا يزالون يعملون قليلاً وقرروا طلاء بيوتهم بألوان مختلفة، ولو اطلعت عليهم من السماء لكأنك ترى لوحة رسمها طفل بكل الألوان التى توفرت له. لم يكونوا فى حاجة إلى بذل كثير من المجهود فى الزراعة لأن الأرض لم تكف عن الولادة، والسماء لم تتأخر لحظة عن الإمطار. كانوا على فترات بعيدة يهذبون أوراق الشجر التى تجتاح منازلهم، ولكنهم تركوها تسرح على الأطراف وتصنع غابات من أشجار عملاقة، ولم يفكروا أبداً فى تجاوز مدينتهم.

كانوا يأكلون ويشربون ويبولون ويتغوطون ويضرطون فى أى مكان، وكانت الطبيعة الجميلة تمسح بقاياهم، كأن فرشاة سحرية أزالتها من اللوحة لتعيدها سيرتها الأولى. وكان أعضاء الحزب الذين أنهكوا أنفسهم فى الجرى لمسافات طويلة فوق العشب يطرقون أبوابهم أو يقفون فجأة أمام حدائقهم ليحدثوهم عن الخطأ التاريخى الذى ترتكبه المدينة على أيديهم. كانوا يتحدثون عن شرف الإنسانية الذى يضيعونه، كانوا يقولون كلاماً عن الإنسانية التى يسبغها العمل، ويقولون إنه كى يشعروا بأنهم فى مدينة فلا بد أن يستيقظوا فى وقت واحد، يذهبون إلى أعمالهم فى وقت واحد، يعودون فى توقيت واحد، افتقاد المدينة إلى العمل يعنى أنها تفتقد إلى الإيقاع، وافتقاد الإيقاع يعنى أنها قرية، وكانوا يقولون إن الدين أفرط فى تصوير لحظات السعادة التى تسبق القيامة بدون أن يخبرنا عن أمراض التخمة.

ذات مرة توقف رئيس الحزب أمام مجموعة يجلسون على مقاعد وثيرة فى الحديقة الكبرى التى تتوسط المدينة، وبدأ يصيح، محركاً يديه مع كل حرف. كانت الكلمات تتجمع فى فمه وتنهمر فى الفراغ، وكانوا يحدقون فيه بدون أن يحاولوا مداراة نظرة اللامعنى التى تعتليهم، لم يكونوا متضايقين لأن الضيق يعنى أنهم يبذلون مجهوداً، ولم يكونوا أيضاً على استعداد لذلك. كان يقول: انظروا إلى حالكم، لقد تحولتم إلى حيوانات، ونحن مفضلون على الحيوانات التى تذبحونها وتتغوطونها. لديكم الثمار والحبوب، ولكنكم اخترتم الأدنى منزلة واستبدلتموه بالذى هو خير. كان الغضب فى وجهه غريباً على عيونهم التى أدمنت الوجوه المسترخية والناعسة، وربما كانوا يفكرون، فى هذه اللحظة، فى الطريقة التى فعلها هذا الرجل ليكتسب فعلاً كاد يندثر.

وكان البدناء متضايقين ويشعرون أن خصوصيتهم تُخترق، على الأقل لأنهم اضطروا إلى الاستماع، وبالتالى تحركت صور فى أذهانهم، صور لواقع غريب، يتحركون فيه فى مواعيد محددة إلى ما يُفترض أنه أماكن العمل، وهذا يعنى أنهم بذلوا مجهوداً لتغيير نمط حياتهم، للتفكير فى نوعية هذه الأعمال، لتقسيمها، لإنشاء مدارس وجامعات تؤهلهم لتلك الأعمال، وبالتأكيد فسيكون مطلوباً مزيد من البنائين لإنشاء مكاتب وتجهيزها.

ولكن بعد دقائق من اختفاء رئيس الحزب كانوا يعودون من جديد إلى صفحاتهم الذهنية الخالية التى كان يقطعها الجوع بصورة لخروف مشوى، كانوا متصالحين حتى فى صورهم الذهنية، أحياناً كان يحدث أن يتخيل أحدهم نفسه يأكل من الخروف بمشاركة ذئب، وربما يمد يده إليه بقطعة سمينة لا يريدها. كان رئيس الحزب يظهر بهيئته التى تميل إلى النحافة فى كل مكان، وبمرور الوقت صاروا لا يعيرونه انتباههم، وكان يبدى أسفه وغضبه لأنه كان يتخيل أن شيئاً ما يمكن أن يتغير. كان يقول إنه سيأتى وقت يكفون عن النوم مع زوجاتهم بسبب الكسل، وبالتالى فإن المدينة قد تموت بموت آخر ذريتها، ومن كانوا يتركون عقولهم للتفكير ثوانى كانوا يهزون رؤوسهم نافضين الأفكار، فمعظمهم لديه أبناء ينامون مع زوجاتهم بانتظام، وفرحتهم كانت تكتمل لحظة الولادة حيث تجتمع العائلات فى منزل المرأة الموشكة على الولادة، وتبدأ إحدى السيدات فى مساعدتها حتى يأتى طفل آخر إلى حياتهم الخضراء.

لم تكن لديهم أسماء، وإنما أرقام، كل واحد يحمل رقماً، من 1 وحتى آخر مولود، وحينما كان يولد طفل، كانت الشاشة التى تعلو مبنى المناسبات فى وسط المدينة تزداد رقماً، وكانت المدينة تطفئ أضواءها حينما يستسلم أحدهم للموت، وفى اليوم التالى تعود الأضواء وتعود اللوحة ناقصة رقماً. احتاجت البشرية إلى الآف السنين لتصل إلى اليقين، وبالتالى إلى السعادة، ومهما قيل عن حاجتها للعمل والفنون فهذا لا يهم أمام سعادتها، فما الحاجة إلى ما يجلب الضغوط. هنا لا سلطة لأحد فوق أحد، كل شيء يتم ببساطة، وإذا حدث وخلا رقم بموت صاحبه يكون الرقم من حق العائلة ذاتها، وخلال مائة سنة على الأقل لم ينتقل رقم خارج عائلة سوى مرتين، حيث توقف أحفادهما اللذين صاروا رجالاً عن الإنجاب، وبالتالى ظلت العائلتان ذكريات فى ألبوم صور المدينة بدار المناسبات. الخلافات تم وأدها فى ماض بعيد، حينما كان البعض يصارع فكرة الكسل ليتحدث طارحاً أفكاراً خاصة، فحينما اقترح أحدهم أن يحصل على الأرقام المميزة أكبر الرجال والنساء فى المدينة اعترض الباقون، فهذا يعنى تغيير نمط كامل، ويعنى خلو أرقام الكبار بالتبعية، وإحساس بأن الكبار أهم من الصغار، مع أن الصغار أمل البشرية فى مواصلة سعادتها. كان رئيس الحزب يحمل على سبيل المثال رقم مليون وأربعمائة ألف وخمس وثلاثين، فى الوقت الذى كان بعض أعضاء الحزب من الأجيال الأحدث سناً يحملون أرقاماً مميزة، مثل 11، و22، و33، و44. كان حفظ تلك الأرقام سهلاً، لأنه لن يدفع أحداً إلى التفكير فى صفة ملازمة للشخص الذى يحمل رقماً كبيراً، وكان الحزب منذ سنوات قد بدأ ينبه إلى التمييز الذى بدأ يظهر فى أحاديث الناس، فمنهم من يشير إلى أحدهم/ إحداهن بالطويل/ـة، أو القصير/ة، أو الأعور/ العوراء، أو صاحب/ـة الأنف المفلطحة، أو ذو/ ذات السُّرة المتدلية، وهذا يعنى انتهاكاً لشرف المدينة، ولكن كل من استمع إلى كلام أعضاء الحزب لم يشغل ذهنه لأنه كان واثقاً من أن الأمر لم يتعد أبداً فكرة محاولة تقريب الصورة لمن يخاطبهم. على أى حال قرر معظمهم عدم الحديث بهذه الصورة، على الأقل خارج العائلة.

كانت كل عائلة تهتم بشؤونها الخاصة، بأرضها وحيواناتها، ولم يكن الأمر يحتاج إلى أى عناء وقد قرر الإله أن يعيد الجنة مرة أخرى إلى الأرض. كانت هناك خرافة يسخرون منها، أن المسيخ الدجال سيظهر فى إحدى المدينتين الأخريين، وأنه سيغوى أهل مدينته قبل أن ينتقل إلى مدينتهم، والمدينة الأخرى. قال رقم 250 مرة أمام تجمع فى مبنى المناسبات:

-استعدوا.. سنشويه ونلتهمه حينما يظهر، وبالتأكيد ربما يغير الإله فكرته ويقرر أن يترك الجنة هنا بدون أن يضطر لإيقاظ أجدادنا.

راقتهم الفكرة وضحكوا ضحكة رجل واحد قبل أن ينصرفوا إلى منازلهم، قاطعين أقصر الطرق إليها، وحتى ذلك الرجل الذى فكر أن يستغل الموقف ليسأل بعض العجائز عمَّا يعرفونه عن البشر وحياتهم فى المدينتين الأخريين وسعادتهم الخاصة هناك وهل يحملون أرقاماً أو أسماء قرر أن ينفض رأسه متراجعاً عن إجهاد لسانه. هنا يتحدث البشر من طرف واحد معظم الوقت. إذا كنت تسأل، حتى أقرب الناس إليك، فى الأغلب لن تجد من يجيبك، ولن تشعر بالضيق لأنك فعلت ذلك مع آخرين، وستفعله، وأيضاً لأنك لا تريد إجهاد ذهنك بحديث طويل.

فى السرير ينطبق جسد الرجل على الأنثى أو العكس، ويموجان فى حركة دودية، لا يعرفون الأوضاع الصعبة، وهم يمارسون الجنس لكنهم لا يبحثون عن المتعة، بقدر رغبتهم العملية فى الحفاظ على وجودهم، وبالتالى حينما تحمل الأنثى يكون ذلك لحظة سعادة كبرى بالنسبة للأب الذى يقرر أن يذهب فى هذه الحالة إلى السرير للاسترخاء أو النوم فقط، كما تشعر الأنثى بفرح غامر وهى تعلم يقيناً أنها غير مضطرة لإزاحة زوجها النائم من فوقها بصعوبة، أو لأنها ستظل شهوراً بدون إحساس بألم فى الصدر والبطن جراء نومها أيضاً وتركه نائماً حتى الصباح فوقها.

كان بعضهم يفكر بضع ثوان فى أعضاء الحزب، كان شيئاً مدهشاً بالنسبة لهم وجود بشر يفكرون ويتحركون طوال الوقت فى الشوارع يطرقون الأبواب ويتحدثون بدون توقف، ويقولون كلاماً شبيهاً بالموجود فى الكتب بالمكتبة الوحيدة الضخمة بالمدينة، الكتب التى ورثوها عن أجدادهم، وربما عليهم أخيراً أن ينتبهوا إلى أن شيئاً سيحدث، أو يتغير، لأن المدينة شهدت حوادث اختطاف متزامنة وسريعة لأطفال حديثى الولادة. تجمع الآباء والأمهات أصحاب الأطفال فى دار المناسبات وكنوع من التقدير تجمع كثيرون معهم، واقترح أمين الدار أن يبحث الجميع فى وقت واحد داخل جميع بيوت المدينة، وفى الحزب القديم، حتى ولو اعترض رئيس الحزب أو أعضاؤه، تسلل المسيخ الدجال إلى أذهان بعضهم، فنفضوا الهاجس الثقيل بصعوبة، ولكن بعض المتجمعين كنوع من المجاملة قالوا صراحة إنهم مرهقون وربما يبحثون معهم فى أوقات لاحقة، وإنهم واثقون من أنهم سيجدون الأطفال، فلا يمكن لأحد مغادرة تلك المدينة التى تحيطها غابات الاشجار العملاقة، التى تركوها تلتف وتتضافر حتى صار مستحيلاً صناعة ممر بها، وإذا كانوا هم لا يستطيعون المغادرة فبالتالى لا يستطيع الخاطفون.

بدأت الصفوف فى التملل، وبدأ البعض فى المغادرة رقماً رقماً، ثم مجموعة أرقام، حتى أمين دار المناسبات غادر، بعدها رفع رقم 3001 صوته قائلاً إنه يمكن تقسيم الأمر بين الرجال والنساء، بحيث تبحث كل مجموعة فى يوم، فالإرهاق قد يُفشل المهمة، والأهم طول النَفَس، ثم بدأ جدال طويل، يعنى أن الجميع موافق على اقتراح رقم 3001، عن المجموعة التى ستبدأ أولاً. كان كل فريق يريد إعطاء شرف البداية للآخر، وحينما فشل الطرفان قررا تأجيل الأمر إلى اليوم التالى، حتى يأخذ كل فريق وقته فى التفكير، مؤكدين أنه لو أن مكروهاً سيحدث للأطفال فبالتأكيد قد حدث فعلاً، والتعجل لا يعنى شيئاً، وفى اليوم التالى انضمت أسر جديدة إليهم بعد اختطاف أولادهم حديثى الولادة، وقرروا الحذر وإغلاق نوافذهم وأبوابهم التى ظلت مفتوحة لسنوات، ومع هذا لم يمنع نومهم الثقيل حوادث الاختطاف من التكرار. كان الذعر مؤقتاً، ويرتبط بلحظات الاستيقاظ، وحلاوة النوم كانت قادرة على إذابته كما يذوب الفوَّار.

فى يوم قريب جاء رئيس الحزب إلى دار المناسبات وخطب فى الجميع:

-أولادكم معنا، أنتم لا تستحقونهم، ونحن سنصنع عالمهم ومبادئهم، سيكونون نباتيين، لقد أنشأنا لهم مدرسة النباتيين، وجعلناها خلف إحدى الغابات، ونحن نعلم أنكم، وحتى مع كلامى هذا، لن تتحركوا لإعادتهم، لأن الكسل أصبح لصيقاً بأرواحكم.

كان يتحدث محركاً يديه فى الهواء وكانت حركاته مدهشة جداً بالنسبة لهم، فغالباً لا تغادر أياديهم أماكنها من أجنابهم، لدرجة أنها حفرت أخاديد لها من فرط التصاقها وثقلها، وأكمل:

-هناك جماعة متطرفة انبثقت عن الحزب، كان أعضاؤها يريدون قتلكم، لكننا بالكاد أقنعناهم بسرقة حيواناتكم وقتلها، وهكذا لن يصير أمامكم سوى الثمار والحبوب لتأكلوها. أنا هنا على بعد أمتار من أقربكم ومع هذا لن يتحرك أحدكم نحوى. هيا.. أريد أن يقتلنى أحدكم، خذونى رهينة لتساوموا بها حزبى، استعيدوا أطفالكم، لو تحركتم فهذا يعنى أن الروح ما زالت تدب فيكم، ولستم محض أجساد جيلاتينية.

من فرط صدمتهم لم يتحرك أحدهم، فكر كثيرون فى بدء الهجوم، ولكن الغضب الذى كان يدخلهم كان يخرج من الناحية الأخرى لأجسادهم، كما يدخل الهواء من الشباك ويخرج من الشباك المقابل، كان كثيرون مقتنعين بكلامه، وفكروا بصدق فى مهاجمته، ولكن الأمر كان صعباً، فلم يجربوا أبداً أعمال الشغب، تلك الأعمال بالتأكيد تحتاج إلى مجهودات ضخمة، والقتل لن يعيد أولادهم، كما أن المساومة تحتاج وقتاً طويلاً، كان كل منهم يفكر فى متعته، أقرب الأرقام إلى رئيس الحزب كان يتخيل فمه محشواً بقطعة ضخمة إلى أقصى درجة من ليِّة خروف، وربما لمح بعضهم دمعة تهوى من عين رئيس الحزب كحجر على الأرض مخلفة دوياً وسط صمتهم، حتى تململهم كان صامتاً. شىء ما كان يمنحهم ذلك الصمت. الجاذبية كانت تشد أرواحهم إليها، وتجعلهم يتحركون كأجساد محشوة بالعجين. اقترب رئيس الحزب من أقرب الأشخاص إليه فأمال رأسه على صدره ناظراً فى الأرض، فهتف رئيس الحزب: لا فائدة.

فى الأسابيع التالية بدأت جماعة النباتيين فى تنفيذ ما قاله رئيس الحزب، الخراف والخنازير والماعز والأبقار والجواميس والأحصنة والحمير والبغال والطيور بدأت فى الاختفاء، بينما يغرقون فى نومهم اللذيذ، وقرروا تعيين حراس منهم على الزرائب، ولكنَّ هؤلاء الحراس كانوا يسقطون أيضاً فى النوم، وخلال شهور اختفت كل الحيوانات وصار الجوع كابوساً يحاصرهم، كانوا يأكلون ثمار الفاكهة والبقوليات لكنهم لم يستسيغوا طعمها، وكانوا يتقيؤونها بمجرد أن تصل إلى معداتهم، وبدا أن الموت سيحصدهم بقبضة واحدة.

رجال الجماعة المتطرفون بدؤوا فى الظهور، كانوا يجلسون بالقرب منهم، ويحدثونهم عن ضرورة البدء من جديد، يمكن للبشرية أن تعود مرة أخرى إذا كففنا عن الشراهة، وأيقنا أن الجسد مجرد وعاء لروح نورانية، وتلك الروح تختنق بأرطال اللحوم والشحوم.

كان رجال الجماعة المتطرفة يظهرون أيضاً ليحملوا بعض الجثث قبل تعفنها، وقبل أن يفكر الباقون فى شيها والتهامها، وكانوا يحملون أجولة من البقوليات يلقونها أمام منازلهم وأمام دار المناسبات، ولكن أحداً لم يقترب منها.

تبرع أحد الأرقام بآخر ما يملكه من طاقة لجمع العائلات أمام دار المناسبات، ثم تحدث عن السعادة التى يريد النباتيون انتزاعها منهم، سيتركون هذا العالم لهم، لأنهم أرادوا تلويثه بالخطيئة، يكفى أنهم مسؤولون عن قتل المئات حتى الآن، وبما أن الموت قادم فيمكن أن تكون السعادة مؤقتة ولكنهم سيتشبثون بها حتى النهاية، ثم بدأت كل عائلة فى العودة إلى منازلها.

كان بعض النباتيين يراقبون، من بعيد، بعض الأرقام وهم يجمعون فروع الأشجار بصعوبة بالغة، ويشعلون النيران بها، ثم يتقدم أحد الأرقام من مجموعة، ينحرونه بهدوء، ويربطونه بأسياخ أو بفروع أشجار، ينتظرون صفاء النار وخفوتها، ويقلبونه، تتسع عيونهم سعادة، وهم يضعونه على الأرض، ويمدون أياديهم إليه.

 

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب