كان مدخنا شرها. تأكل سجائره نفسها وهو يعيد كتابة تقرير من جديد بسبب أهمية المعلومات وسوء الصياغة. قليل الكلام، وإذا شارك فى حوار حول موضوع تكون كلماته مقتضبة ومباشرة وفى الصميم.
بصمت رهيب يغزل الأخبار. يتوقف أمام معلومة أو رقم أو تصريح ، يراجع المحرر فى كل تفصيله للتأكد من صحتها ودقتها.
فى غرفة الديسك ونظرا لكثرة الأخبار المتدفقة، من الصعب أن تعرف أى الزملاء صاغ هذا الخبر أو ذاك ، لكنى كنت أعرف موضوعاته من عناوينها، لأنها تحمل “نَفَس” الصنايعى الموهوب.
ترك الديسك والجريدة وتفرغ لمشاريعه الأدبية. فصارت الصدفة وحدها تجمعنا، فى الشارع، مكان عام مع أصدقاء مشتركون.
بعض الأشخاص القرب منهم نافذة مفتوحة على المحبة المجردة.
محمد خير واحد من هؤلاء.
تابعت على مدى أعداد كثيرة مقالات “خير” السياسية فى جريدة التحرير التى أعمل بها، وأول ما توقفت أمامه قدرته المدهشة على الربط ما بين أحوالنا السياسية والنظريات العلمية. دائما هناك تفسير علمي للظواهر السياسية المتقلبة وغير العلمية بالمرة فى مصر. وحده كان راصدا، كاشفا، وممسكا بطرفي الخيط السحري.
يكتب فى الفيزياء بنفس الجودة والمهارة التى يرصد فيها أسباب صعود أو هبوط نجم فنى.
بجانب موهبته، يظل الإخلاص أحد أهم أسباب تميز كتاباته. يضاف الى ذلك الخروج من دائرة الاستسهال المرعبة ، والعمل بدأب على التفاصيل.
لا أدعى قربا منه، لكنى على ثقة أنه لا أحد يعرف محمد خير سوى محمد خير.