أحلام أهل الكهف في نيويورك

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 663
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فرانسوا باسيلي
أخرج من بيتي كل صباح
شاعراً بانتمائي للجديد القديم
لأهلي أهل الكهف
أتطوح في الشارع الخامس في نيويورك
كما فعلت مراراً منذ خمسين قرناً
هي سنواتي في متاهة الكون
أتمتم ما تيسر من آياتٍ قديمة
تعينني علي حمل أحجار النهار
إلي الجلجثة الجديدة
مرتدياً ثوب الإلهة هاتور
إلهة العشق والفرح الأرضي
مهرولاً في الزحام بشعرٍ أشعث
وقد خرجت لتوي من كتاب الموتي
ساقطاً في قبضة العصر الحديث
دون وقتٍ كاف لأغير ثيابي
أو أغير ما بنفسي
يرمقني المارة بدهشة سريعة
ثم يدخلون ماكدونالد يطلبون بيج ماك
بينما أظل جائعاً
لكل شيء
للأرض والآلهة
للشعر والآيات
للخبز والقربان
للنكبة الكبري والصغري
لصبية قبلتها مرة واحدة
لموسيقي بنت البلد
وبعد نصف قرن من التيه
في جزيرة المهاجرين بأليس أيلاند
أجدني أسأل في دهشة
أية سفينة قراصنة تلك التي
ألقت بي إلي هنا؟
وأين المغارة التي سننهبها
ومرجانة التي سنقضي الليل معها
ليس هنا سوي الأربعين لصاً
يهرولون بالفصوص والنصوص
كيف انتزعت نفسي
من براثن الآلهة القديمة
لأقع في براثن الآلهة الجديدة
وهي تلعب البوكر في وول ستريت
دون أن ترتل آية واحدة
كيف يعيش إنسان بلا آيات؟
هل يشبعه الجسد عن جوع الروح؟
أيهما يكتفي بخبزه قبل الآخر
وأنا أسير علي حافة العمر
لا أنتظر خلاصاً ولا قصاصاً
وقد ضربني فيروس الرؤية
فرأيت ما خلف الأبواب الدهرية
من خدعٍ بصرية
ورأيت ما يقبع في القلوب
من فواجعٍ ومرارات
فألجأ للإلهة هاتور
أرفع عيني إليها كيتيم
تجذبني وراءها فنجري
وترقد في العشب بضفة النيل
فأسقط عارياً في حضنها
أسمعها ما حلمت به
من مزامير أهل الكهف
فتحزن لأجلي
وتشدد ضمها لي
……………..
وأرجع إلى بيتي كل مساء
مرهقاً، كأهل الكهف
من الشارع الخامس في نيويورك
أنا المهاجر الذي أنكر أجداده
ولم يعد يرتل آياتهم
سوي في المآتم
التي أصبحت طقساً
لاجترار الهزائم الكبري
والخيانات اليومية
حيث نأكل أجساد القديسين
فلا نشبع
ونشرب دماء الشهداء
ولا نرتوي
قبل أن نخرج نتضور في المساء
ندخل باراً لنروح عن أنفسنا الثكلي
أو كنيسة لم يعد يؤمها أحد
باعها المؤمنون القدامي
للمؤمنين الجدد
بأبخس الإيمان
فنصلي لمن بقي من آلهة القدماء
صلاة اشتريناها بصكوك غفران
لم تعد صالحة للاستعمال
لعل منهم من يخدعنا برحمته
فنجد كهفنا في مكانه
حين نعود آخر الليل إليه
نفوح برائحة المخمورين بالتقوي
نتطوح مخضبين بالخمر واليقين
منتظرين مجيء من لا يجيء
محيين ذكري هزائمنا المجيدة
معاركنا في البلاد البعيدة
وثورتنا من أجل حقنا في الفرار
من أيادي الأوطان الطويلة
التي تلاحقنا في الصحو والمنام
نحن أهل الكهف لا أحلام
لنا في الوطن القديم ولا الجديد
ولا سلام

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني