حسن عبدالموجود
يميل إلى الوحدة، يسمع الأغانى التى يكتبها، يكره فرنسا، كسول جداً، اعتيادى، حينما يكون مكتئباً يقرأ كتب الفيزياء، وشديد التطرّف فيما يتعلّق بتفاصيل الحياة، يأكل بدون حساب ويزداد وزنه، أو يقوم بـ”دايت” قاس ومخيف، يعمل كثيراً أو لا يعمل أصلاً، يدخن بشراهة، حوالى أربع علب سجائر فى اليوم، أو يمتنع عن التدخين. بالتأكيد يعرف محمد خير أن هذا ليس له علاقة بصورة العاقل والمعتدل التى يعرفها العالم عنه.
منذ تسع سنوات يشترى خير ملابسه من نفس المحل، يتعامل مع نفس البقال، والسباك، والحلاق، يذهب إلى نفس المطاعم، إذ لا يخطط للأكل، وليس لديه شغف فى اكتشاف مطاعم جديدة، وحينما يذهب إلى الإسكندرية يتجه مباشرة إلى نفس “الأوتيل”. باختصار ترك صاحب “عفاريت الراديو” التجريب فى الحياة ليجرّب فى الكتابة. خير يعلم بالقطع أن شخصاً اعتيادياً مثل هذا لن يكون مفهوماً بالنسبة لفتاة، وهو لن يتركك لتسخر منه، لأنه من نوعية الأشخاص الذين يبدؤون بالسخرية من أنفسهم. يضحك “من أجل هذا تتحول العلاقات مع الفتيات إلى جحيم، أنا أبتعد عنهن إشفاقاً عليهن”، ويواصل بسخرية مستخدماً “إكليشيه” للتأكيد على فكرته “يعنى وردة مفتّحة ومقبلة على الحياة.. ما ذنبها لتجدنى فى مواجهتها؟! أشعر أننى سأرتكب جريمة فى حقها.. أقول لك بصدق أنا شخص صعب العشرة جداً”. يرى خير أن أى كاتب يخلق حياة بانتظام داخل دماغه، بخلاف الحياة التى يعيشها فى الواقع، ويعلق “الكاتب دائم التشكل، وسيكون من الصعب على أحد أن يتحمله، ولو أنه فكر فى الارتباط بكاتبة فهذا سيكون المورستان الرسمى، سيكون محظوظاً فقط لو أنه وجد فتاة تفهم فى الأدب والفن وتقدر إبداعه، ولكن عليها أيضاً أن تكون مثالية بأن ترتبط بعمل يجبرها على السفر ستة أشهر فى السنة”. خير كسول جداً، لو أن أحد مفاتيح البوتاجاز تعطل مثلاً سيتركه لظروفه. لو أن أحد أقاربه ليس معه فى المنزل سيترك التلفزيون مفتوحاً. تركه لمدة أربع سنوات بدون أن يطفئه، تماماً مثل أكرم بطل “سماء أقرب”، وبالطبع كان لا بد أن يموت الجهاز المسكين، ليستبدله بآخر، يمارس عليه نفس المهمة. البقاء مستيقظاً طوال الوقت. ربما لاحظ خير أننى أنظر إلى التلفزيون المضاء بدون صوت فى صالة منزله، فنهض، وقال لى “نقفله عشان مايخطفش عينينا”. أول قصيدة فى ديوانه “هدايا الوحدة عنوانها “الكسل”. ستجدون صديقنا يلبد هناك “معظم تلك القصائد، خضتُها، بدلاً من خوض الحياة، أنا مدين إذن، للكسل، بمعظم ما يكوّن تاريخي الحقيقي، لأكن صريحًا، أنا مدين للتردد، لكنني أكثر كسلاً، من خوض أي نقاش حول ذلك، الكسل والموسيقى، والوحدة طبعًا، تركيبة مجربة، لإحاطة الآلام التافهة، بغلاف من النبل، وتجهيز قصائد، لا يمكن حفظها، لهذا، سأقوم متأخرًا، كعادتي، سأكون آخر المغادرين، دون أدنى شعور بالقلق”.
لو أن خير تحدث سيجبرك على الإنصات، أولاً لأنه حكاء من الطراز الأول، ويصبغ حكاياته بنوع من السخرية المحببة، وثانياً لأنك لن تستطيع مقاطعته قبل أن ينهى رغبته فى الكلام، ولكنك لن تشعر بالضيق أبداً، فهو لن يسمح لنفسه بالإسهاب إلا لو كان يقدّرك، وسينصت لو كنت حاسماً فى طلب المشاركة، بعكس حمدى أبوجليل الذى يمتلك نظرية واضحة فى هذا الشأن بغض النظر عن الإحساس بالآخرين “أسمع ليه وأنا قادر اتكلم؟!”. حياته سلسلة من الهواجس، كما قال، واستغرق وقتاً طويلاً ليكتشفها من خلال الآخرين، وأولها الإحساس بالذنب تجاه ما ينبغى أن يقوم به ولم ينجزه، والمقصود ليس العمل، ولكن مساعدة الآخرين، والنتيجة المباشرة لهذا، أنك تصبح انطوائياً، “برّاوى”، فلو أن شخصاً طلب منك شيئاً كبيراً ستهرب وتتملص. يعلّق “أنا انطوائى، ليس بمعنى أننى أخاصم الناس أو لا أراهم، ولكن بمعنى أننى أصل إلى حال الفزع لو أنهم اقتربوا منى إلى حد معين. لا بد أن يكون هناك حاجز ما”. من الصعب حساب خير على شلة معينة، وهو غير مشغول بفكرة أن أصدقاءه يتقاطعون مع الدوائر الأخرى. تصالح مع الأمر تماماً، مثلما هو الحال مع هيثم الوردانى، كما أن هواجس المرض تحاصره باستمرار، وخلال عام واحد زار ثمانية أطباء للقلب، وكلما طمأنه أحدهم كان يطمئن، تخيلوا، لنصف الساعة فقط، والوحدة بالطبع تزيد من الهواجس، وهكذا تتحول إلى أعراض فسيولوجية، خفقان، زيادة فى دقات القلب، ارتفاع فى درجة الحرارة، عدم انتظام التنفس، أرق، توتر، وبهذا يدخل خير فى دائرة مفرغة، أو فى حال من الجدل مع نفسه، ويتساءل: هل أنا مصاب بهذا المرض؟، يبتسم “مؤخراً جداً تعلمت ألحقها فى بداياتها، وأنا كتبت تاريخ الهواجس، وبأقل تفكير منطقى عرفت أن أى مشكلة لا يمكن أن تأتى بالصدفة، وهكذا بدأت فى محاصرة الهواجس، لأننى أمسكت بمفاتيحها”.
انتبه خير إلى أنه ساخر، يقول ضاحكاً “حدث هذا حينما تكررت مقابلتى لبعض الأشخاص، (بيسخسخوا) على نفسهم من الضحك حينما أتحدث. كان معظم هؤلاء لا يصدقون أننى كائن قادر على الهزار، ولكنهم عرفوا ذلك، بعد أن كانوا يظنوننى شخصاً كئيباً، وعموماً السخرية هى بالنسبة لى تنديد بمفارقة صارخة، ومؤلمة، لدرجة لا بد أن تضحك معها، والساخر هو شخص جاد جداً فى النهاية”. أسأله عن عدم ظهور السخرية فى كتابته عموماً ويجيب “منذ عشر سنوات كنت أكتب زاوية فى التجمع بعنوان (يبدو أن) وتوقفت لأننى استسخفتها، شعرت أنها مفتعلة، والكاتب الساخر ولاؤه الأول للسخرية، ولكنه يختلف عن شخص جاد ككاتب، ويسخر فى تعاملاته الأخرى. بالطبع يمكننى أن أكتب شيئاً ساخراً، وربما يكون جيداً، ولكن لماذا أضيف للعالم كتاباً لا يحتاج إليه؟!”. كنت أتعامل مع اسم محمد خير منذ زمن بحذر، لأننى أقلق كبداية من الكاتب الذين يكتب القصة والشعر، ولكن بعد قراءته جيداً، واستمرارى فى متابعته، شعرت أن الاسم أصبح يمثل “ماركة” فى ذهنى، وبالطبع كان لا بد أن أسأله عن كتابته عدداً من الأنواع الأدبية، ولماذا لا يفكر فى مراكمة نوع واحد؟ يجيب “هناك نقاد يقولون إن التجربة تفرض نفسها وهذا كلام جيد، ولكن لدىّ تعبير يخصنى، الشغف بالتجربة الجديدة. هذا هو الجميل، حيث تدخل ملعباً جديداً، وكل كاتب لديه سؤال، من الممكن أن يعبّر عنه فى عشر روايات، أو فى عشرة دواوين، أو فى عشر روايات وقصص ودواوين، وإذا كنت تهدف من خلال المراكمة إلى تحقيق إنجاز ما فلا شىء يضمن لك ألا تصاب بالإحباط، سواء كتبت سطرين، أو عشرين رواية عظيمة. أنت تعيش لحظة سعادة وعليك أن تحافظ عليها وتحسّها، أما ماذا سيحدث غداً فلا شىء مضموناً، وعلى سبيل المثال أنا بدأت كتابة (سماء أقرب) فى 2009، وتابعت كتابتها حتى العام التالى، وفى بدايات الثالث، وبالتحديد مع الثورة، انقطعتُ عنها، وعدتُ إليها فى نهاية 2011، وهذا يعنى أنها استغرقت ثلاث سنوات”. ويضيف “لا أحد يعلم كيف سيعيش، صدقنى لا توجد ضمانة بين الإنجاز وسعادتك أو تعاستك، خصوصاً أن الحال النفسية المضطربة عند الكاتب تجبره على الاكتئاب من أقل شىء، وهكذا فإن السؤال المهم بالنسبة لى: ماذا أريد الآن؟! ما شغفى الآن؟! هذا هو الأهم”.
لا يفكر خير فى كتابة رواية من الحجم الكبير “تصبح مشكلة خطيرة فى رواية ضخمة الحجم أن تظهر الفكرة بعد عشرين صفحة مثلاً، سأشعر بالملل فوراً”، وحينما قرر الشروع فى كتابة “سماء أقرب” فكر: ماذا سأحكى؟! يقول “وهكذا خططت للرواية، ولكن لم أتصور أننى سأكملها”. ألحّ عليه أحمد العايدى وقال له “اكتبها عشان ماتجيش تعيط بعد عشر سنين وتقول كان عندى رواية نفسى أكتبها!”، وفهم شيئين، أن كتابة الرواية، بتعبيره، تشبه تسلق الجبل، صعبة، ولكنه فهم أيضاً أنها توفر شيئاً لا يقدر عليه فن آخر، فكرة الخلق. يرى خير أن فن القصة القصيرة “وردة الفنون”، وهو يأخذ أجمل ما فى فنّى الرواية والشعر. يتذكر عبارة لمحفوظ “أخطط لرواياتى جيداً، أما قصصى فتأتى من قلبى مباشرة”، ويعلّق “القصة تلتقط اللحظة الشاعرية من الدراما، من دون أن تتورط فى حكاية كاملة”. ولأنه غير مرتبط بعمل محدد يمضى فيه وقتاً إجبارياً “فرى لانسر”، بتعبيره، ولأنه أيضاً لا يفضل الالتزامات الطويلة فإن القصة بالنسبة له فن مناسب، يشبهه، ولكن ماذا عن الشعر؟ يقول “علاقتى به مازوخية. الشعر يشبه شاشة تلفزيون ولكن بدون ريموت. يعرض عليك ما يشاء. أنت تحت سيطرته الكاملة. لو قال لك شاعر إنه يقرر ما يكتبه سيكون كذاباً. إنه هدية يمنحها لك فى الوقت الذى يقرره. لا يمكن أن تضعه فى برنامجك”، يعود إلى القصة مجدداً ليربط بين الإثنين “القصة مثل مقهى فى مكان محاط بالشجر والناس تلتقى هناك لدقائق معدودات، ثم يغادرون بدون أن يرغموا بعضهم على شىء ما، وقابليتها للترجمة عالية لأن أساسها الدراما، أما الشعر فلا يُترجم، ومترجمه يوصل إليك أقرب شىء، وهو قائم على اللغة من الألف إلى الياء”.
يكتب خير موضوعات صحفية ومقالات يتابعها كثيرون، ستلحظ على “فيسبوك” أن له جمهوراً خاصاً، يعلق على ما ينشره، فهل فكر فى أن ذلك الجمهور قد ينتقل إلى قراءة أعماله الأدبية؟ يجيب “فى الصحافة تقول رأيك، ومن سيتابعونك هم القريبون من تلك الأراء، وبالطبع ليس شرطاً أن يكونوا من متابعى الأدب. الشخص المعجب بأدبك فى الأغلب يكون على النقيض من أفكارك. الأدب والصحافة يمثلان عالمين مختلفين، وبالطبع إذا كان هناك، من قرائك، مهتمون بالأدب سينتقلون إلى قراءة أعمالك الإبداعية، ولكنهم سيمثلون طوال الوقت زيادات غير مؤثرة، والانتشار له طرقه عموماً، وهناك من يتبعها، ومن يرفضها، وأنا من النوع الأخير، غير أننى لا أصادر على الآخرين حقهم فى اتباعها”. خير قد يرفض الظهور فى برنامج صباحى لأن عليه الذهاب إلى المغسلة. يرفض فكرة أن يحرر صفحة لنفسه على “ويكيبديا”، فلو أنه يستحق سيفكر قارئ يوماً ما فى تحريرها، ويرى أن من لديه موهبة عليه أن يكون ممتناً بما يكفى “من مليون متر مربع حيوانات منوية أنت من جئت، وأنت من لديه تلك الإمكانية”، وهو يكره فرنسا والفرنسيين ولا يجد حرجاً من التأكيد على أنهم “بيخنقونى، وبحسّ إنهم متحزلقين”، يذكر ماركة “ألكاتيل”، ويقول عاقداً حاجبيه ليوصل إلىّ المعنى “موبايل بشع”. دار بين خير وشخص ألمانى حديث حول العدوّ المشترك، فرنسا. قال خير “أنا أحب ألمانيا جداً”، فسأله الألمانى “لماذا؟!”، وأجاب خير “لأنها احتلت فرنسا مرتين”، وصمت الألمانى قبل أن يميل على أذنه هامساً “كان هذا سهلاً جداً بالمناسبة”. يسمع خير الأغانى التى يكتبها “أشعر أنها مألوفة جداً”، ولكنه بكل تأكيد لا يكتفى بها فقط، فهو يحب ألحاناً لبليغ وعبدالوهاب وزياد الرحبانى، يحب ناظم الغزالى، ودنيا مسعود، وزياد سحاب، ولكنه ليس من الأشخاص الذين يستمعون إلى الموسيقى وهم مشغولون بأمر آخر. خير يكره الحفلات، ويتهرب منها، ويعشق السينما، وبالطبع لا يجد حرجاً فى التأكيد على أنه يحب السينما الأمريكية “قد أشاهد فيلماً بريطانياً أو ألمانياً، ولكن الأفلام المرشحة للأوسكار تكفينى فنياً، قمّة السينما فى أمريكا، وخلاصة المخرجين والكتّاب هناك”، ويطرح مثالاً للتدليل على الفارق بين السينما فى أمريكا ونظيراتها فى العالم “لو أن هناك شخصاً يريد أن يقرأ أعمالاً تنتمى للواقعية السحرية فإنه سيتجه إلى ماركيز لا إلى كاتب شاب”، وخير لا يطمح فى جائزة، ويرى أنه عليك حتى تنتظر التقدير أن تنجز شيئاً ما “وتذكر طوال الوقت أن تقديرك لذاتك غير تقدير الآخرين لك، فهذا يحميك نفسياً”، ويبدى اندهاشه من الحانقين بسبب إحساسهم بالظلم رغم أنهم ما زالوا فى البدايات “غضبانين ومحبطين بأمارة إيه؟!”، وهو يطرح نفسه مثالاً، فقبل أن يكون معروفاً على المستوى الصحفى اضطر أن يقبل بالعمل فى جريدة بدون أجر، وهو حينما يكتئب يقرأ كتب الفيزياء، فهى التى تشعره بتفاهتنا، وصغرنا المتناهى، مقارنة بالعوالم التى تعرضها، وهكذا تنتهى مشاكله، حيث يشعر أننا جميعاً على الكوكب بكل همومنا وآلامنا وكآبتنا شىء صغير جداً، كما أنه يقرأ بشكل أفقى، أى يقرأ أعمالاً كثيرة لكتاب مختلفين، لا أعمالاً متعددة لكاتب واحد، باستثناء محفوظ، حيث يرى أنه أحد أهم من حصلوا على نوبل، وهو يمثل، بالنسبة له، أهم إنجاز مصرى فى القصة “مع احترامى ليوسف إدريس”، ويعود إلى الأعمال التى يحبها “قالت ضحى” لبهاء طاهر، و”عتبات البهجة” لإبراهيم عبدالمجيد، و”ذات” لصنع الله إبراهيم، و”خلوة الغلبان” لإبراهيم أصلان، كما قرأ أعمالاً لماركيز، ويوسا، وكونديرا، ومن أصدقائه إيهاب عبدالحميد “أحبه لأنه يأخذ الكتابة بشكل جاد، ولديه أصول فيها، أقصد أنه حرفى، ولا يبدو كأنه يمنّ على القارئ بجميلة ما، مثل كثير من الكتاب الذين يبدو لسان حالهم وكأنهم يقولون بعد صدور العمل: كفاية عليكم كده. أنا أحببت جداً (عشاق خائبون) و(قميص هاواى)”، وفى العامية لا يمكن أبداً أن ينسى ديوان مجدى الجابرى “عيل بيصطاد الحواديت”، ويقول إنه برهن على إمكانية أن تكون العامية نثرية، كما أن من أقرب الناس إليه عبدالرحيم يوسف “لديه نثر هادئ، وكلماته موزونة بميزان الشعر”، وفى الفصحى يذكر عماد أبوصالح، ويرى أن لديه شيئاً غريباً، ويخشى أن يُفهم بشكل سلبى “أنت لا تشعر بمرور الزمن ما بين ديوانه الأول والسادس، كأنه كتب تلك الدواوين دفعة واحدة، ولديه صوت نزق، طفولى، ويخلق حكمة مُرّة، وعباراته فى حدة السكين، كما أن بها نوعاً غريباً من العويل، كأن هناك طفلاً يبكى فى ساحة ما، فى قرية ما، منذ سنين طويلة، ومع هذا لم يفقد الأمل إلى الآن”.
“أما إيمان مرسال فلديها قصيدة شديدة الذكاء، وتشعر كأنها محمّلة بمسؤولية شعرية ما”. يشرح فكرته “هى تمثل صوتاً بارزاً جداً، صوت رحل معظم مجايليه أو توقفوا لأسباب مختلفة، وهكذا فإن على ذلك الصوت مسؤولية ما، فى الكتابة واكتشاف النثر، وهى فى ديوانها الجديد تودّع آخر أطلال القصيدة الحرة، وتحاول اكتشاف القصيدة فى النثر، وإيمان مرسال مع أحمد يمانى من القليلين جداً الذين تخلصوا من الإيقاع تماماً”. كان لدىّ، فى النهاية، سؤال شخصى لخير عن أحاسيس الشخص الذى يفقد عيناً، هل تحدث مع أحد الأطباء أو المصابين ليفهم ذلك؟ ولكنه فاجأنى. لمدة أسبوعين كان ينزل الشارع ويغمض عيناً، كان الأمر صعباً جداً فى البداية ولكنه اعتاد عليه، كانت رقبته تؤلمه، لأنه يحركها باستمرار ليحصل على رؤية بعيدة، عرف مقاييس تلك الرؤية، وتأثير إغلاق العين على الطريقة التى تدمع بها رفيقتها، وهكذا صاغ شخصية مازن فى “سماء أقرب”. والآن: هل مللتم من محمد خير؟ أنا شخصياً لدىّ استعداد لأن أستمع إليه ساعات متواصل.