وردات في الرأس : استثمار السرد في القصيدة

وردات في الرأس : استثمار السرد في القصيدة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

وائل مختار

يبدي الشاعر أحمد يماني في مجموعته الشعرية الثالثة "وردات في الرأس" منشورات "ميريت"، القاهرة استعداداً واضحاً لمزج تقنيات القصيدة اليومية مع مناخات النثر التقليدي. ولذلك نجد في ما يكتبه الحياة البسيطة والعادية التي تحيط بالموضوعات والبشر والتفاصيل. والاستثمار الذي يقوم به الشاعر داخل هذه الأجواء هو في اكتشاف ما هو شعري وخاص داخل النسيج العام للغة هذه الحياة ولهجاتها المتعددة. لكنه لا يكتب خلاصة ذلك بطريقة الحذف والاقتصاد في المادة الشعرية وفي قواها التعبيرية والأسلوبية، كي يحول القصيدة الى حالة قصيرة ومقتضبة شعورياً ولغوياً، بل انه يترك القصيدة تأخذ ما يزيد أحياناً عن متطلباتها النصية ومساحة المعنى فيها. انه لا يسعى الى كتابة قصيدة مضغوطة كالتي نقرأها لشعراء آخرين يكتبون بأقل الكلمات وأرهفها، داخل ايقاع هش وصارم، فتبدو قصائدهم ملمومة وحادة النبرة ويصعب ان تجد فيها كلمة زائدة او اشارة نافرة. يتغاضى يماني عن ذلك، فيترك القصيدة ترتاح في قول الدفقة الشعرية بكاملها، إنّما من دون استنفادها. هذا لا يعني انه لا يعمل على صقل قصيدته كي تكون رشيقة ومرنة. لكنه يجد شعرية ما في اللجوء الى الاستطراد والشرح والاسترسال وتقليب المعنى على أكثر من جهة واحساس. هكذا يمزج اليومي مع مناخات النثر. فهذا النثر غالباً ما يحتفظ بنكهته النثرية:

“احتكّت قدماه بثلاث صفائح قديمة / لكن الأفكار التي جاهد كثيراً في تثبيتها / على جانب واحد من رأسه / كانت تتطاير كالذباب / حول أذنيه وعينيه / حتى انه خبط دماغه مرات في عمود الانارة / وخزها بدبوس / صبّ عليها كميات من الماء المثلج / والذباب كان يفور أكثر وأكثر / كان يجذب عينيه الى الخارج / كان يطقطق تحت أسنانه / وبالطبع كان ينتظر بأعداد رهيبة فوق الوسادة”.

بإمكاننا ان نقرأ الكثير من السرد في بعض مقاطع الكتاب. والطول المتفاوت للقصائد، يُشعرنا بالنَفَس الشعري غير الخاضع لطموح أسلوبي مسبق وموحد. وهذا ما نراه لدى عدد من أقرانه الشعراء المصريين الشباب الذين تكشف تجاربهم عن النفوذ الطاغي للسرد والقص، بحيث يصبح استثمارهما عصباً أساسياً للقصيدة.

ـــــــــــــــ

مجلة الوسط 19/ 11/ 2001

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم