البهاء حسين
يعرف الألم وجهته
مثل أى قطار
دون حاجة إلى صافرة
يعرف أن ” الضنى غال “
لكننى لا أعرف وجهتى
ولا أين أحطّ ما فعلته بى “جيلان “
بين القضيبين
أم فى خانة القضاء، أم الاختيار
:
لى صديق كلما اعتقد أنه فهم الحياة
جردته الحياة من ملابسه تماماً
كما لو أنه عورة
:
الحياة محطة، بلا مقاعد
ننتظر الألم فيها
واقفين
:
الألم الذى يترك العين مقتلعة، كعش مهجور
لا يهمه ضحكة ” نور” حين ترنّ فى البيت
لا يضحك حين تضع ” ملك ” الزجاجة فى الثلاجة
بلا ماء
:
تلك المرارة التى تغسل جوفك منها
مع كل مضمضة
وتظل كما هى
أن يفقد العصفور وليفته ثم يموت ، ويطير ريشه بدلاً منه
اللوعة التى تبقى فى الأيدى بعد كل فراق
الحروب
الرجال الذين يفقدون أطرافهم
ويضطرون لصنع ذراع
بكُم فارغ
الزمن الذى يغير طريقتك فى المشى
الجندى الذى وعد أمه بأن يعود وأخلف وعده
الموت
كل هذه أسماء للألم
لكن ألمى لا اسم له
:
نور لم تترك لى ظلها
كى أراها تكبر وهى بعيدة عنى
،،
آه يا ابنتى، أنت أيتها الجامحة
ماذا أفعل ولم يبق منك غير الرسومات ..
تلك العائلة المبعثرة فى أرجاء الورقة
كأنك ترسمين الغيب
لم يبق إلا “روايات الرعب ”
وبضعة أحلام نائمة على السرير
بالقرب من مراهقتك
لم يبق من ضحكتك غير الصدى
أصبح البيت كصندوق مشروخ
بماذا أسده ، كى لا تتسرب منه ذكرياتكم التى تركض فى الحجرات
شجاركما الذى كنت أكبته وصرت أتمناه
بصمات الأصابع التى تتشبث بالحيطان ، مخافة أن تنزلق منها
كى تبقى الأغنيات التى تسمعها ملك
المسلسلات الهندية التى تحبها
كى يبقى أبطالها المفضلون بداخلى
:
الألم لا أب له
وليس طفلاً، ليعرف أن الأب حين يغيب
يفقد الأبناء صوتهم
عن نفسى
عشت بدون أب
عشت بدون فم .
:
يا ملك
يا صغيرتى التى تشبه قلبى
أنا هنا ما زلت أصعد للسطوح
أعد النجوم مرتين
لى ولك
غير أننى أفيق على ذراعى، الذى كنت تنامين عليه
ولا أجده
كأنك سافر معك
فى حقيبتك المدرسية
:
يا إلهى
كلما فكرتُ فى الأيام التى تغير هيئاتها بسرعة
كالسحب
انتابتنى رعشة
وأمسك قلبى عن الخفقان
:
كيف لـ ” ملك ” ، ليديها الصغيرتين
أن تعرف الحقيقة
والشواهد كلها ضدى
كيف تصدق أن أباها، الذى كان يبيع الحلوى فى طفولته
ولا يجرؤ على الأكل منها
يشترى لها الحلوى بإفراط، كأنه يعوّض نفسه
:
كل شىء هنا على السطوح
فى انتظارك يا ملك
الحمامة البيضاء
العجلة
حوض الزهور
حتى الجبل ، رغم أنه لا يتعلق عادة بالأطفال
الطائرات الورقية التى تنأى بنفسها عن التحليق أبعد مما يريد الخيط
أوانى الفخار
الماء ينتظر أن تسقى به الطير
الطير نفسه
حتى إنه يرفرف بطريقة مختلفة فى غيابك
الشمس
التى كنت أصوّرها بين إصبعيك، وفوق كفك كأنك تغرفينها، أو حين تمطين شفتيك تقبلينها قبل الغروب
كل شىء
دبدوبك الكبير بجوارى الآن
يتأرجح فى مقعدك
نسمع أغنيتك..” حبيت صورنا كتير” لـ ” حماقى “
ثم نضحك ملء فمنا
من أن قلبك الصغير بدأ يدق
من أجل ولد، كما كان قلبى يدق
للبنت التى تشترى منى
،،
ضعى يدك
هنا على الشرخ
فى قلبى
تحسسى خطواتك الأولى يا نور
لثغتك التى انتقلت فجأة إلى شيخوختى
كأننى تعافيتُ من جلطة فى المخ
كأن كلماتى ما زالت تحاول أن تقنع طفولتك
بأننا حين ننظر فى المرآة
نرى الله
:
تذكرين عندما رحت تكشطين كل المرايات بحثاً عنه
:
أوووه
كأننى فقدت النطق يا حبيبتى
حين عرفتُ من الطريق التى كنا نمشى فيه
من الأدعية التى نتمتم بها كل صباح
من السور الذى تغير لونه
من النوافذ التى كنت تلوّحين لى منها بقامتك الطويلة
أن أمك، بعد انفصالنا
أخذت ملفكما إلى مكان بعيد
من يساومنى إذن على قبلة
من يخبرنى أن لكل خد أجراً يختلف عن الآخر
لن أجد فى الطريق غير الذكريات
وأخاف إذا أشرتُ إلى خطواتك المكومة على الرصيف
إذا مشيت وأنا فارد ذراعىً كأننى ما زلت أمسك بكما
أن يظن أحدهم أننى أهذى
:
يا إلهى
الحياة هشة كغزل البنات
كبيت العنكبوت
وقلبى فارغ
مرآتى انكسرت
أصبحتُ بلا يدين
كيف أشترى الحلوى
اشتدت بى الأوجاع
مدّ مطرقتك وأصلح لى الصندوق
بحق أنك حبيبى
مد يديك وأعد لى يدىّ .