كانت تخترق الصفوف ببطء. لم تكن تتلفت يمنةً أو يسرة. هدفها المنشود لم يكن موجوداً بين هؤلاء الذكور. رائحة القرفة التي تصدر من بعض أكواب الشاي الثقيل، لم تكن تصَّعد بداخلها ذكريات مرتبطة بعوالم هؤلاء الرجال الأشقياء، وهم يهربون بأجسادهم من تعب الحياة، ويهبونها لغرف البخار والليف الناعم المصنوع من القنّب، وفلقة صابون الغار، وانحناءات المدلك المثيرة برموزها المستعصية على التفسير، حين يقبل على فركها وتدليكها بأصابع مدربة. يدلل بعضها، وينفر من بعضها الآخر. كانت سياسة غير محايدة، ولم تكن تعطي إشارات غامضة عن تحولات مبتكرة يقوم بها هذا الكائن الليلي الرطب حين يقع على أجساد غضة ولينة وبطيئة في تحللها، أو في استسلامها أمام كلاّبات أصابعه المحنكة والقوية.
تفصلها عن مهمتها الغامضة أقل من دقيقة واحدة. لن يكون بوسع أبو سعيد القرماني أن يغير من طقس قدومها بصراخه المفاجئ لحظة استلامه إكرامية زائدة فوق التسعيرة، فلم تكن تكترث له، لأنها كانت تعرف أنه يتقصّد ذلك لحظة مرورها بين نزلاء الحمام :” وهاي ميتين نيرة للشغيلة “. لم يكن حرف اللام المفقود يعني له شيئاً. يضع النقود في حصالة خشبية متوضعة أمامه ثم يردف أمام زبون من زبائن الحمام:
-“هل ترى هذه الفتائل السود التي يطيح بها المدلك من الجسد العاري. إنها العلامة الأوفى على أننا خلقنا من الطين، وإلى الطين نعود”. كان يحلو لأبي سعيد أن يناغش بعض زبائنه المدللين بتصريحاته، ليخفف من احتقان يرتفع في الجو مع تصاعد البخار، ومع زيادة متوقعة في ضوضاء الاشتقاقات الرمزية التي تصدر عن مثل هذه الأجواء المهيمنة على الغرف الساخنة، حتى بدت أنها ذكورية، وتخص الفحول فقط، رغم أن حمام القرماني يخصص يوماً واحداً في الأسبوع للنساء.
قبل أربع سنوات بالضبط حاول أبو سعيد أن يقنع السيدة المنقبة بالمجيء في هذا اليوم المخصص للنساء، ولكنها رفضت بشدة. حاول أن يمنعها من دخول الحمام، ولكنه عاد عن قراره، فلم تكن مؤذية، وليس لديها ما تخفيه. أما الزبائن فقد اعتادوا على مرورها من بينهم. لم تشكل عامل استفزاز لهم، فلم يكن يظهر من وجهها شيئاً يدلل على أنوثة متيقنة وضالعة في صباغة الشهوات المستحيلة.
كانت تمر بصمت. لا تبالغ بمشيتها. لم يكن لديها مشية. كأنها كانت تسير على طبقة ماء خفيفة. وثمة من يحركها دون أن تتأثر بدفشة من الخلف يمكن أن تمررها بكل هذه الخفة المشتهاة. أبو سعيد القرماني لم يكن يدقق كثيراً في مشيتها أيضاً. كان يفغر فمه أحياناً حين تمر بهذه الهمة على سطح ماء ليس موجوداً في الواقع. لم يكن صعباً التدقيق بحضورها، فمع تقليب الأسابيع والشهور التي كانت تأتي بها أصبح مرورها بين مرتادي وزبائن الحمام شيئاً طبيعياً جداً، ولم تعد موضوع مراقبة حتى لأبي سعيد نفسه الذي توقف عن مماحكته لها بالإعلان عن التسعيرة والإكرامية للصبية العاملين لديه. كذلك لم تعد تثير فيه هزة رأس بليدة وأسيانة، حتى أنه جرب مرات عدة أن يعطيها بعض الليرات من صندوق الإكراميات، فرفضت، وظلت تمشي بطريقتها نحو هدفها الوحيد الذي تقصده أسبوعياً، وهي تحمل كيساً من الخيش البني الداكن، ولم تجرب أن تلتفت إليه، أو تشكره، وهو لم يعد يكترث بها، واكتفى ببعض هذه المرات القليلة ببرطمة غير مفهومة، تحتمل تأويلات عدة، كأن تكون شتائم متوارية في اللغة، حتى لا تنتج ألماً لمن توجه إليه. لم يكن أبو سعيد ملماً بقواعد اللعبة في الحمام الأثري، بالرغم من أنه قد ورثه عن أبيه. كان بوسعه أن يعرف درجات الحرارة في غرف البخار، وأن يشم زيت الغار من فقاعات الصابون التي تنسرب في البلاليع القريبة منه. ولكنه كان يفشل دائماً بمعرفة نوايا زبائنه. وكانت أخطاءه في اللغة المتوارية في الجسوم المترهلة تتراكم مثل الدهون، وتفعل فعلها ببطء شديد غير محسوس.
كانت السيدة المنقبة طويلة أيضاً. وقد بدا هذا شيء غريب للوهلة الأولى بالنسبة إلى سيدة، ولكن أبو سعيد القرماني لم يول عناية خاصة لطولها الغريب، وغير المتناسب مع هيئتها الخارجية. بدا الأمر طريفاً جداً بالنسبة إليه، فسماها متندراً ” عرق الفول اللطيف “، وعندما كان يفتقد تسجيل حضورها لسبب ما كان ينادي على صبي الحمام حمزة ويسأله عنها. وكان ينكر معرفته بها، ويزعم أنه لم يرها تمر بمحاذاة الفرن الذي يقوم عليه بتلقيمه نشارة الخشب.
مرة واحدة في إحدى زياراتها الغريبة وقفت السيدة المنقبة في بهو الحمام، ولكنها ظلت تتطلع إلى الأمام. لم يخطر ببالها أن تخرق الاتفاق الضمني مع أبو سعيد بألا يشكل حضورها اشكالا بين الذكور الذين يخرجون من غرف البخار، وقد نشطت أحاسيسهم وتيقظت، وأصبحت مثل بركان بارود متفجر. لم يحدث أن شكلت هذه السيدة الغامضة مادة للتفجير لأي من هؤلاء التعساء. لم تكن مغرية للحد الذي يمكن أن تسهم فيه بتفجير مشاعر جارحة عندهم. ولكن واحداً بدت عنده لوثة من النوع الحارق المستفيض، فخلع اللباس الذي يرتديه بعد الخروج من غرفة الحمام ودخل ثانية. وجد نفسه على هيئة صقر ذليل خاضع يلهث بين البخار وآخر العمر. كان ينشط في مداعبة الوهم النائم على هيئة بدعة لم يملكها بين ساقية مرة واحدة. جحظت عيناه من قوة البخار، واستنطق ظهره مرتين. لم يكن هناك ما يفرغه في حلق اللحظة المستحيلة، وشاءت الأقدار أن تسوق إليه السيدة الغامضة لتشهر فيه أوجاعاً مزمنة لم يكن ممكناً الاندحار أمامها بالسهولة التي تجلت فيها لحظة وقوفها لثوان في البهو. لم يكن بالإمكان إدراك أي من هذه الأوجاع قد أصابت مقتلاً في جسم هذا الزبون المهدود. فهم أبو سعيد سر انسحابه إلى الداخل، فهز رأسه مبتسماً. لم يكن الحمام العمومي في أحايين كثيرة إلا ملاذاً للشر المفرح كما كان يسميه في لحظات صفائه القليلة. ولم يكن بوسع أحد من العاملين فيه منع تجدد القصف أحياناً، حين كانت تهيّجه الذكرى، أو المنع القسري الذي تتشكل منه حالات كثيرة عبرت هذه الأرضية المبللة بالصابون والشهوات والرغبات.
مشت السيدة الغامضة باتجاه الباب المفضي إلى ساحة خلفية في صدر الحمام. لم تلتفت ثانية، فقد سمعت صدى اللهاث الآدمي بوضوح. نقله البخار الرطب إليها. ولم يعلن الزبون خواء محفظته، وارتخائها، أو استسلامها. لم يعد بوسعه الإذعان بعد أن خضع كثيراً وهو في طريقه إلى حمام القرماني، وأوغل في طلب اللذة المستحيلة حتى غرقت أرض الحمام بألوان الطيف المفترس. وأصبح البخار أحمر مستفزاً. لم يكن من الألوان التي تسمح بإحداث شق في مثل هذه القباب المكومة على افتتان الصحو الذي أبداه السقف العالي . ولكن رعداً قوياً هز أرجاء المكان. لم يكن أبو سعيد يؤمن بالمعجزات. فلم تتحقق معجزة واحدة في هذا الحمام الذي يقطنه ولي من أولياء الشام الكبار. ولكن وقوف السيدة الغامضة لثوان في البهو شكل معجزة أبهرته في تلك الليلة. أضاءت القبة الرئيسية بنور قوي. ووقف الزبائن مكبرين مهللين. وبدا أن هناك حركة غريبة، فظهر صبية الحمام بلباس الدراويش، وأخذوا يتحلقون في دائرة، وقد ارتدوا قلنسوات ولبادات وقلابق. الرقص الدائري لم يلتزم بالطريقة المولوية. ولكنه كان يشي بذلك. حتى العباءات السوداء لم تكن موحدة. الإيحاء بفكرة القبر التي تحيط باللباس الأبيض للمتماوتين في هذه الدنيا بدت متشققة وهزيلة وبحاجة إلى إعادة نظر.
وقف أبو سعيد متأملاً. لم يدرك هذا الانقلاب البصري في المشهد. لم يكن قد سمع من قبل بالسمعخانة. ولكن حمام القرماني تحول في ثانية واحدة إلى مكان للرقص الدائري تحت سمعه وبصره دون أن يحظى دراويش القرماني الجدد برئيس للزاوية يمكنه أن يؤدي بعض الابتهالات والأدعية.
شقّت السيدة المنقبة الطويلة طريقها بين المحتشدين. لم تكن زاوية النظر من ناحيتها تظهر راقصين. كانت الأرواح تصعد إلى بارئها من غير ابتهالات مصنفة على حدود العشرة والوئام في حمام القرماني. زادت حدة الضوء عند الباب الذي كانت تعبره حتى غشيت عيون الراقصين، وتوقفوا عن إكمال الوصلة المفاجئة. لن تكفي الحملقة، فقد زاغت الأعين، وتجمدت في محاجرها. ووقف أبو سعيد في مكانه، وكأنه يقف فيه لأول مرة. كان الضوء قوياً ومبهراً، وقد أحالت اندفاعاته ليل الحمام إلى نهار.
الكشّاف الغامض الذي سمح بتدفق هذا الضوء لم يكن متحققاً في الواقع. كان وهماً مزروعاً في الفناء الخلفي للحمام حيث يقع ضريح القرماني، وقد وقفت بجانبه شجرة زيتون معمرة. لم يكن الضريح هو الوجهة النهائية في رحلة السيدة الغامضة، فقد تحول بحكم مراكمة السنوات إلى اكسسوار في الفناء، ومع استعمال الاسم بكثرة وشيوعه بين الناس أصبح القرماني مصدراً للرقى المؤجلة التي لا تستخدم في البحث عن المسرات وإطفاء الشكاوى المستعجلة والمزمنة. لم يكن بوسع أحد من مرتادي الحمام أن يحدد وقائع للكيفية التي مات بها.
في الفناء الخلفي الذي يصبح جبهة الحكاية الطالعة من الأجساد المختلة، وهي تنطر إفرازات الشبق في الزوايا المعتمة الغائبة عن العين. لم يكن حضور السيدة المنقبة، إلا تشفيفاً لحالة غامضة ومعقدة، تبتهل إلى الأضرحة المنكوبة التي تتناثر تحت أنظار من يتلطى بهذه الزوايا المنتصرة، حين يختل الجسد تحت ضربات المطارق السرية، وينوء بأثقال مختلفة من الآهات الكتومة التي لا تنفذ من الحيطان الصلبة إلا إن ارتفعت حرارة الغرف وراء جمرات متناثرة في الفرن. لن يعود بوسع السيدة المنقبة أن تحد من طولها على الجسر الخشبي الذي يربط بوابة الفناء الخلفي بأسطح المنازل الواقعة في الخلف، والتي ستُهدم كلها بعد فترة وجيزة، وستتشرد ستين قطة كانت تتحلق حول الضريح مساء كل خميس، حين تقدم هذه السيدة الغامضة من الفراغ والهول والوحول، لا لتؤنس وحدة القرماني الشهيد، وهو يعيد تكومه على اللحم الاستثنائي للقتلى الكبار، وهم يعدون جنائزهم في الحارات الدمشقية بصمت مبالغ فيه، بل لتفضي بأسرار المدينة وفضائحها وانشغالاتها إليها. لم يكن ثمة ما يمنعها من تحويل هذه القصص إلى ألغاز خاصة بها، تمتلك فضيلة الإنشاء والتركيب والتفكيك. هنا يقف عوكل في نهاية البوابة بشحمه ولحمه، فقد أفضت الرقصة الدائرية إلى انشقاق الروح عن بذرة الأب المقدس، ولم يعد بوسع عوكل أن ينكر هذه الفضيلة، وصار ممكناً أن ينزع النقاب عن وجهه. لم تعد السيدة الغامضة منقبة. كان يجب أن تتخلص من النقاب بعد هذه المعجزة، ليظهر من كان يختبئ وراءه. ثمة حكاية تدور هنا في الخفاء وراء النقاب الذي كان يقوده أسبوعياً للتمويه والتنقل بحافلتين، بالرغم من أن المسافة بين الضريحين والحمام يمكن أن تنقضي مشياً على الأقدام في أقل من عشرة دقائق، فخطوة عوكل طويلة ومديدة ومختلفة، ولولا معجزة القرماني في هذا الربيع المبكر في نوعه واشتداده، لما أفاقت هذه القطط في مدينة لا تحتفظ بود للمعجزات التي تقوم عليها. ربما بقيت نائمة أكثر مما ينبغي، لهذا صار يستوجب تشريدها، أو اخفاؤها عن العين.
جاءت الدعسوقات في ليل عوكل الطويل. كن يرميّن الحجارة أو يتدربن عليها. لم يكن ممكناً الاحتفاء بقدومهن بعد أن أفحم السواد، وانتقل إلى المربع الثاني من ظلمة النفوس، وهدأ الرقص الدائري. سكنت الأحلام في كلا المرقدين. حظر التجول أصبح عنواناً لصاحب الخمار، والجابية، والشهيد القرماني الذي أوصاني قبيل موته بكتابة قصته. لم تكن مدونته قد توضبت حين أقبلت على فك طلاسمها، بعد أن أمدّني بها أبو سعيد، وهو يخبط على الطاولة منتشياً بالإكرامية، وزيادة في الجور المفرح، كان يجب أن أبقى ليلة إضافية في الحمام الذي تهدّم، وتشردت قططه، ونام دراويشه في العراء يحلمون بتجنيب الأرواح مزالق الردى، والمعازل المبتعدة بين الغيوم، وطقاقات البيوت النحاسية الثقيلة.
-بتعرف يا أستاذ هاي الطقاقة اللي على باب بيتك من وين اجت؟ كان عوكل يسائلني في لحظات شروق ميتة، كمن يحاول أن يبدد تركيزي بعد أن اكتشفتُ أمره في حمام القرماني. لم يكن يخطر ببالي نوع الإجابة، ولم أفترض إطلاقا أنه يمكنني أن أجيب، لأنني لا أعرف ماذا يمكن أن يخطر بباله. لم يتوقف عن الثرثرة في تلك الليلة التي تلت رجوعه من الحمام، وقد نزع النقاب عن رأسه وطواه في الكيس البني الذي يحمله بيده. كنت أريد أن أحادثه بخصوص المعجزة التي دارت أحداثها عند ضريح الولي الشهيد، ولكنه أظهر خبثاً متطامناً، وزوّغ في إجاباته بذكاء يكشف عن بصيرة متوقدة. لم يكن ينتوي الإفصاح عن الأسباب التي دفعت به لزيارة الحمام على مدى أربع سنوات كل أسبوع من أجل أن يقيت القطط فقط. كان ممكناً تجاهل ما حدث، لو اقتصرت زيارات الحمام والضريح والقطط من دون النقاب، ولكن حدوث هذه الزيارات المنتظمة، وتلطيه كل هذه الفترة، وراء ما يمنع وجهه من الظهور، كان يشير إلى غموض لم يكن مستحباً، أو ممكناً تقبله من دون تفسيرات.
لم تكن الطقاقة ملكاً لوداد ملكة غجر أذربيجان كما ادعّى عوكل.
لم يكن ممكناً تصديق مثل هذا الكلام. فلم يظهر أن ” السيد المنقب ” عوكل كان مهتماً سواء صدقت أو لم أصدق. فلم أسمع أنا، أو يسمع أحد بوجود مثل هذه الملكة، والمثير في القصة يكمن في ذكره اسم وداد على مسامعي مقرونا بغجر أذربيجان. كان يتقصد أن يضغط على مخارج الحروف كي يقرأ شيئاً غامضاً في وجهي. هنا تأخذ القصة منحى مختلفاً. بدأت أتفصد عرقاً. تراه وضع مخالبه الطويلة على جوهر الحكاية، أم أن ثمة معجزة هنا في طريقها للتحقق على يديه. قبل ساعات فقط كان شاهداً على معجزة من نوع مختلف دارت فصولها في حمام القرماني. معجزة سوف تسمح في اليوم التالي بتهديم السوق المحيطة به، ووضعه تحت وصاية محافظ المدينة حتى إشعار آخر.
-تشردت القطط ياأستاذ. لم يعد هناك من يعيلها.
-والطقاقة ياعوكل ما هي قصتها؟
كان يترنح من التعب. ولم يقرر أن يجيب على تساؤلي. وبدا لي أنه أصبح في عالم آخر، وهو يمدٌ لي بالنقاب، ويرتمي على كتفي من التعب. خفت من الفضيحة. وآثرت أن أريحه على قارعة الطريق بانتظار معجزة أخرى يقوم بها. كان يطلب لي أن أعدّل من نومته، لأن في جعبته كلمات كثيرة عن الطوفان القادم، وقد رأى ذلك في حملة تشريد القطط.
بدا لي أن عوكل يهذي ويهرف، وأن حمى قوية تنال منه في هذه اللحظة. كان يطلب مني أن أهدأ، وأن كل شيء سوف يمر بسلام. لم أصدقه إلا حين أخرج طقاقة نحاسية كبيرة من كيس الخيش البني وناولها لي.
-هذه طقاقة باب أسمهان. كانت عشيقة أبي. وقد أهدته إياها مرة حين ودعته عند الباب، ولم تجد شيئاً تعطيه له، فنزعت الطقاقة النحاسية، وحشرتها في شنطة ملابسه الصغيرة من دون أن يشعر بذلك. خذها. وعندما تشتري بيتاً ضعها على الباب الخارجي، وتذكّرني كلما طرق أحدهم بابك، ونادى عليك مستوحشاً.
وأردف عوكل، وقد احمّر وجهه تماماً قبل أن يغيب عن الوعي:
-هل تحب أسمهان؟
لا أعرف في هذه اللحظة إن كنت أحب الاستماع إليها أم لا؟! لم يكن بوسعي أن أجيب على سؤال لا يمكن الإجابة عليه أبداً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فجر يعقوب
مخرج وروائي فلسطيني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل من رواية: نقض وضوء الثعلب – تحت الطبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة