حديقة الحكايات تتسع

محمد عبد النبي: الترجمة تشبه أحياناً التبرع بدم الكتابة للغرباء من أجل كسب الرزق
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد عبد النبي

لستُ من الحريصين على قراءة مقدمات تسبق الكتابات الإبداعية، حتى لو كان كاتبها هو المؤلف نفسه. كثيرا ما أفوّتها، وغالباً ما أُرجئ قراءتها لما بعد قراءة النص نفسه. أحيانا تكون المقدمة عقبة وليست عتبة، ربما لهذا أجّلت كتابة هذه المقدمة لوقت طويل للغاية، كأنني لا أريد كتابة شيء مصيره المستحق هو الإهمال، وفى نهاية الأمر اكتشفت أن هذا على عكس تخوفي، قد يكون عامل تشجيعٍ من نوع ما، لذلك سوف أسهّل على القارئ مهمة تفويت هذه السطور، والدخول إلى عالم القصص مباشرة: عزيزي ليس عليك استكمال هذه السطور للنهاية. أمّا إذا اخترت أن تكملها فأبشرك أنني لن سأمنع نفسي بكل وسيلة من قول كل شيء يتعلق بورشة وجروب الحكاية وما فيها، لأنني هكذا لن ننتهي أبداً.

 

من شهر مارس 2009 بدأتُ ألتقي عصر كل جمعة على مدى بضعة شهور مع أصدقائي من أعضاء ورشة الحكاية وما فيها – دفعتها الأولى – وهم محمد فاروق وأميرة الوكيل وطه عبد المنعم وإسراء فيصل وإيناس لطفي وهناء نصير وسالي عادل وأسماء خضر – حتى يوم تخرج هذه الدفعة الأولى في 24 ديسمبر، في احتفال جميل بقصر الأمير طاز. تحقق الحلم، واستطعت أن أعبر المرحلة الأولى بشيء من التوفيق. كان الحلم باختصار هو أن أثبت لنفسي وبعض الآخرين أن الكتابة ليست شأناً مقدساً وقدرة سحرية يُولد الإنسان يمتلكها أو لا يمتلكها للأبد، وأن هناك من التقنيات والوسائل والحيل ما يقرّب راغبي الكتابة من مرحلة أقرب إلى الاحترافية.

خلال تلك الشهور مارسنا لعبتنا، لعبة الكتابة بمنتهى الجدية، وأظن أننا استمتعنا إلى أقصى حد بهذه اللعبة. درسنا معا جوانب اللعبة القصصية من شخصية وحوار ورسم مشاهد وغير ذلك، ونفذنا تمرينات كتابة أخذناها عن بعض المصادر، وأخرى ابتكرناها بأنفسنا، فكتبنا انطلاقا من أخبار فى صفحة الحوادث أو لوحة لبيكاسو أو مقطوعة موسيقية قصيرة تصحبها مغنية تغنى بلغة لا نفهم منه كلمة واحدة.

ثم جاءت الدفعة الثانية بعدها بنحو عام، وأتيح لي أن أتعرف علي مجموعة أخرى بديعة من المبدعين – رضوى داود وسامية بكري وسماح صادق ومحمود عاطف وأحمد سعد وأحمد وحيد ومحمد بسيوني – واختطفنا تجربتنا الخاصة، بالتعاون مع صديقي الجميل، الشاعر والناقد، د. أحمد عبد الحميد، الذي أصبح ضيفاً ثابتاً على الورشة في لقاءاتها الرسمية وغير الرسمية وكذلك مشاركاً مؤكدا في مناقشة مشاريع التخرج، إلى جانب آخرين كثيرين تكرموا بوقتهم وجهدهم مثل الأب الروحي للورشة سيد الوكيل، والصدقة منصورة عز الدين، والروائية سحر الموجي، ود. سعيد الوكيل، وبالطبع مدحت صفوت… وكثيرين غيرهم من نقاد ومبدعين حرصوا على زيارتنا في الورشة – خلال دفعاتها المختلفة – مثل نهى محمود ومحمود عبد الوهاب ومؤمن محمدي وطارق إمام وعمر شهريار وياسر عبد اللطيف وإبراهيم السيد.

باختصار كانت الدائرة تتسع، وقد كانت بالأمس القريب نقطة صغيرة حائرة في نفسي، متوجة بالأسئلة والهواجس: هل يمكن؟ هل ينفع؟ هل أنا على مستوى هذه المسئولية؟ أليس من الجائز أن أؤثر عليهم وعلى تجربتهم تأثيرا سلبيا؟ هل هذه التجربة تستحق التعب المبذول فيها؟ ألن يجد المبدع الحقيقى منهم طريقه وبصمته الخاصة بدون مساعدة منى أو من أى شخص آخر؟ تبزغ هذه الشكوك والهواجس، لكنها تتبدد تماما بمجرد الدخول فى دوامة العمل، وحماس اللعب، حيث لا وجود لمعلم وتلاميذ، وهو الدور الذى أضحك من نفسى إذا تخيلتني ألعبه، بل مجموعة من الرفاق يجمعهم الهوس نفسه، هوس الكتابة.

ثم تعثرت الدفعة الثالثة، لأسباب عديدة ربما بعضها يرجع إليّ وبعضها يرجع إلى ظروف المكان المناسب وعدم اكتمال مشاريع التخرج، لكنني تعلمت الكثير من هذه الدفعة، ويكفي أنني تعرفت خلالها على كلٍ من نهى رضا، وأحمد جمعة، وشادي عبد العزيز، وحسين الحاج. وأظن أنهم جميعاً ليسوا بحاجة لشهادة تخرج أو أي شهادة من أي نوع لتأكيد موهبتهم وقدراتهم.

ومؤخراً احتفلنا بتخرج الدفعة الرابعة – بالتعاون مع المركز الأكاديمي للثقافة والفنون بإشراف من الروائية الصديقة هويدا صالح – بعد ورشة مكثفة للغاية وبدون مشروع تخرج – للمرة الأولى – وقد أدركت أنه قد يكون عقبة في طريق المتدرب تستهلك طاقته وتمنعه من التجريب بحرية وانطلاق، وهنا أيضاً اكتسبت مزيدا من الأصدقاء المبدعين: أمل جاد الرب، منى فرح، هداية محمود، هاني قربة، إسلام محمد، حسين التلاوي، محمود عبد الفتاح، عمرو شهاب… وأرجو أن أكون استطعت أن أساعد بعضهم – ولو بأهون درجة – على التركيز قليلاً في هموم الكتابة، واختيار طريقها الطويل السخيف والممتع لأقصى حد مع هذا.

تقرؤون في هذا الملف مجموعة منتخبة من كتابات وقصص خريجي دفعات مختلفة للورشة، مازالوا يكتبون ويمارسون تمارين الكتابة الخاصة بكلٍ منهم في ورشته الخاصة التي تبدأ بمجرد الانتهاء من ورشتنا، لكنها لا تنتهي أبداً، أو هكذا أرجو.

الآن ونحن على وشك استكمال السنة الخامسة من الورشة، وكذلك بصدد العمل مع دفعة خامسة بالتعاون مع مركز مساحة، يسرني أن أعلن أسماء المقبولين للاشتراك في ورشة الحكاية وما فيها للدفعة القادمة: حفصة عمر، سارة عابدين، سعاد أبو غازي، شريف مختار، شيماء الناصر، عماد منصور، محمد توفيق، محمد حسين، محمود عبده، ناني عبد الحكم، وفاء هيكل، وليد حدّاد. لم أرسل لهم بعد، لم أعرف إن كانوا سوف يستطيعون جميعاً الالتحاق بالورشة أم لا، لم أر كثيرين منهم بالمرة، لا أعرف إن كانت الكيمياء سوف تتولد بتلقائية كما حدث من قبل، ولكني في غاية من اللهفة للقائهم وإعادة التجربة من أولها لآخرها من جديد، وإن بنغمتها الخاصة. كل ما أرجوه أن يعلموا – هم والسابقون – أنهم يمنحوني شيئاً ثميناً للغاية، شيئاً مثل تجديد الدماء والتحفيز على ممارسة الكتابة والحياة أيضاً، لذلك فإن إهداء مجموعتي القصصية التي انتهيتُ منها مؤخراً سيكون كالتالي:

 

إلى أصدقائي من

أعضاء ورشة “الحكاية وما فيها” للكتابة القصصية بجميع دفعاتها السابقة واللاحقة؛

أنتم أجمل تمارين الكتابة.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم