الجمعة صباحا

الجمعة صباحا
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد محمد جمعة

صباح الجمعة ، حين لا أصحو في السادسة ، و أتنعم بساعات مجانية من النوم حتى موعد الصلاة ، رغم ذلك أنهض بكل تكاسل - و لا ارغب في القيام من الأساس ، يوقظني أبى للصلاة ، ربما لو كنت وحيدا لبقيت متيقظا مستلقى حتى ينهضني تأنيب الضمير ، لأنهض مسرعا ألحق ما تبقى من الخطبة و الركعتين كاملتين ، و لو استغرقت في النوم فعلا سأصلى الجمعة ظهرا أو  أتغاضى عنها ذلك اليوم .

 

ربما يأتي وقت أكون فيه وحدى ، أعيش فيه بمفردي ، سأفرح بحريتي الجديدة ، سألهو بها و احتفل ، اعود لسابق عهدي ، ادخن على السرير و لا اهتم بإخفاء علبة السجائر و تهوية الغرفة ، اطلب طعاما دليفرى ألتهمه على السرير و ارمى بقاياه في أي مكان ، و اتنعم بلحظات الصمت ، لا صوت ، انا فقط هناك . ستمر علي الايام دقائق و انتبه  🙁 واه ، يادى المصيبة ، انا وحدى ) من سيعد لي الطعام ، من سيعيد ترتيب كل الفوضى التي احدثتها ؟ ، من سيغسل ملابسي و يكويها ؟ وقتها سأضطر لاسترجاع ذلك العهد القديم : ايام الدراسة ، غربتي المستمرة و ابتعادي الدائم عن البيت ، حينما كنت مسئول – إلى حد ما عن تلك الأشياء ، كنت استدعى البواب ليمسح لي غرفتي أو كنت اتعاون بقدر ما مع زملائي في تلك المهام ، كنت اهرب من شغل المطبخ بغسل المواعين او شراء البقالة و الخضار ، و الغسيل : ارض غروري بنقعه بالماء يومين و اشغل عليه الغسالة ثم انشره ، او ألخص على نفسى و ارسله غسيل و مكواة  ، ادفع الفاتورة و شكرا ، احصل على أكلة و مكان مرتب و ملابس مهندمة ، لكن ( كله كان بحسابه ) ، من سيدفع عنى الحساب حتى يفتح الله على و تستمر فانتازيا حياتي البوهيمية ؟

صباح الجمعة حين استيقظ ، لن أهتم بتلك الأشياء ، سيشغلني شيء آخر حلمت به ، لا اتذكر منه الكثير ، أو لا أتذكر منهما الكثير ، فهما حلمان لا حلم واحد ، اذكر نفسى في المرة الأولى بين صحبة ما على مقهى لا أعرفه ، و هناك من يعرض علي قصة مكتوبه ، و بدلا من قراءتها رأيتها كفيلم قصير مصور ، اذكر انتباهي من نومى و بقايا الصور بمخيلتي : امرأة تبحث بين غرف منزلها و يصادفها في كل غرفة اناس غرباء ، تفتح شباك غرفتها لتجد نفسها في قطار يتحرك و هنالك فيضان من الماء قادم ، تغلق النافذة بسرعة لتجد خلفها أسد و نمر يتصارعان على قوائمهم الخلفية و كل منهما يحاول التهام نفسه و يمنع الآخر من التفوق عليه ، على ما يبدو انتبهت من رعب المشهد الأخير و أذكر ذهابي للتبول و تجرع الماء ، في الحلم الثاني وجدتني أمام مجموعتين متراصتين كأعضاء الكورال على كوبرى قصر النيل و انا أمام المجموعة الأولى ناحية ميدان التحرير و أمامي بعض المعارف و اهتف بأناشيد جميلة و أغاني ضد المجلس العسكري و الفلول و في الجماعة الأخرى أرى كل من أعرف من الفلول ، حتى زميلتي الجديدة التي عرفت انها زوجة ضابط و ابنة لواء شرطة  رأيتها، البرادعي قادم من ناحية الأوبرا ، أهرع اليه لأقبل رأسه و أشكو ضياع مفكرتي و انى رأيت أحد الفلول يقرأ ما فيها  ثم يرمى بها الى قاع النهر ، ثم أمضى مع البرادعي الى منزلي ، مالي أنا و كل هذا ؟!!!!!

صباح الجمعة كان يؤرقني تذكر أحلامي الغريبة و من اين اتت ، لكن أعجبتني القصة و قررت كتابتها كأنها من تأليفي  لتصبح ملكي ، فبطريقة ما قصصي هي الشيء الوحيد الذى أملكه ، فحتى نفسى لأخرين حق بالتدخل و التعقيب عليها ، لكنى أملك كتبي و أملك الشخصيات التي أكتب عنها، أملكها و تتملكني ، تتمرد علي ، تقودني أحيانا لطرق غير متوقعة و لا أعرف جغرافيتها ، تصبح – أحيانا – الكتابة عنهم معضلة ، ببساطة لأن هناك من سيقرأ و يعرف من اين أتوا أو تغلق أمامي الطرقات و أتوه بين الدروب ، أنا أهم قرائي ، لم أعد أكتب لنفسي ، و لا يجدر بي الكتابة عن نفسى ، يمكنني انتحال أفكار ، و اختيار طرق ملتويه للوصول لنص مكتمل ، ما إن اصل لما اريد أنسى كل ذلك و يصبح النص كله ملكي ، ألا يمكنني ذلك ألا توافقني ؟ تظن انها طريقة مبتذلة ، أليس كذلك ؟

اذن اسمحوا لي بكسر كل قواعد الشك و الظن و حتى اليقين ، حاولت الكتابة عما رأيت لكنني نسيت ، سأفترض ان شخصا أخر رأى ما رأيت ،  أعلو بكليتي عن المشهد لأرى من بعيد ماذا سيحدث ، فأنا أكره الضمير الأول ، أكره الأنا الراوية و حكايتها بتفردها و أحكامها المطلقة و استنتاجاتها الخالية من منطق المعرفة الكلية و جهلها المطبق ، أكره الشجن وأكره تقمص صوت الضحية ، أكره من يحكى و يتذكر – لا بد انه يتذكر ، كيف يضارع فعله و يقول ( أذهب …. أجلس … أفعل ) و هو يقصد ( ذهبت … جلست …فعلت ) حيلة لأشاهده ، لا أنا قطعت نصف المسافة ، أتيت لحكايته و قرأتها ، ماذا فعل هو بالمقابل ، يعدني بلذة ما ، قرأت و عرفت وجهة نظره ، أحيانا يطيل الكلام لأراه حتى لا أظن أنه سيصمت ابدا ، حسنا ، شخصا رأى ما رأيت ، هكذا لنبدأ به الحكاية

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم