عادل إمام ونظرية المارشميللو

عادل إمام
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. نعيمة عبد الجواد

ظاهرة فنية فريدة من نوعها تربعت على عرش النجومية في مصر والوطن العربي تسمى الفنان “عادل إمام”، الذي بدأ مهنة التمثيل منذ (56) ست وخمسين عاماً، وتربع على عرش النجومية على ما يربو على (41) الواحد وأربعين عاماً. وبذلك، يكون قد أحرز رقماً قياسياً للنجومية، ليس فقط على الصعيد المحلي والعربي، ولكن أيضاً على الصعيد العالمي؛ مما جعل الوسط الفني يلقبه بالزعيم، ولشدة إيمان معجبيه به وسمه جمهوره بهذا اللقب الذي صار خاتماً رسمياً للإيمان بفنه وعطاءه.

لكن هذا الفنان الذي اكتسب نجوميته من خلال إحتفاء الجمهور بما يقدمه من مادة نالت رضاءهم، وحفزتهم أن يبذلوا المال ويستقطعون من وقتهم لمشاهدة ما يقدمه من أعمال، أغفلته ليس فقط الصحافة، بل أيضاً لجان التكريم والجوائز. فبالتنقيب بالصحف والمجلات عن أخبار وحوارات الفنان “عادل إمام”، يلاحظ أن من النادر وجود مقال يتناول مسيرته الفنية،أو مشوار حياته، أو حتى يتناول نقد جاد لأفلامه. فالمادة المتوافرة للحديث عنه تكون في سياق أحاديث مخصصة لفنانين آخرين، أو نقد لاذع موجهاً لشخصه، أو شائعة. وعند الحديث عن الجوائز والتكريم، فيما يبدو أن لجان الجوائز قد شعرت أن حسبه ما يحققه من نجومية وإيرادات شباك تذاكر غير مسبوقة. والدليل أنه لم ينل التكريم في بلده إلا لثلاث مرات فقط، أولها كان عام 1995 عن دوره في فيلم الإرهابي. وكأن مجموع الأفلام الجادة التي حققت شهرته منذ نهاية سبعينات القرن الماضي حتى هذا العام لم تكن على نفس المستوى. وبمقارنة عدد الجوائز والتكريم الذي ناله عادل إمام خلال مشواره الفني الطويل، يلاحظ أن الجوائز (11) الإحدى عشرة التي تم منحها له وخاصة من دول عربية أخرى، لا يتناسب عددها وفنان لديه مثل هذا الثقل في بلده مصر وفي الوطن العربي.

وبعيداً عن كل هذا، فالفنان عادل إمام ظاهرة فنية تستحق الدراسة. فهناك العديد من الفنانين الذين وصلوا لقمة المجد، ثم بدأت شهرتهم في الإنزواء، إلى أن صار يشار إليهم كقيمة فنية، لكن لا يقبل الجمهور على أعمالهم بنفس النهم، أو نزلوا لمرتبة نجوم الصف الثاني. وذلك على عكس الأعمال الفنية التي يقدمها الفنان عادل إمام؛ فالجمهور ينتظرها ويتابعها. والغريب أن بضعاً من متابعيه، حتى وإن كان تقييمهم لأحد أعماله بالسلب، لكنهم يواصلون متابعة ذاك العمل الفني الذي لم ينل كامل الاستحسان؛ لاعتبارهم أن التقييم الإجمالي للعمل، لا يشتمل على تقييم الأداء، وتقييم ما يقدمه من مشاهد مميزة قد صبغها بروحه، وصارت نصب الأعين، ومحور الأحاديث.

وبدراسة “عادل إمام” كظاهرة فنية، وجد أن ما يقدمه من أعمال تلامس سلوك الإنسان، وتقدم له  خلطة فريدة من الإشباع اللحظي Instant Gratification والإشباع المؤجل Delayed Gratification، مما يمكن أعماله من التسلل لجميع طبقات الجمهورعلى حد سواء، ونيل رضاءهم. ومن هنا، يلاحظ أن أعمال الفنان عادل إمام قد استطاعت اللعب على وتر السلوك البشري. ومن ثم، صار مشواره الفني بمثابة تجربة مطولة على السلوك البشري الذي لم يحظى بأبحاث كافية لدراسته. ومن اللافت للنظر، أن أفلام الفنان عادل إمام تحاكي “تجربة المارشميللو” Marshmallow Experiment. وكان أول من أجرى “تجربة المارشميللو” Marshmallow Experiment هو عالم النفس “والتر ميشيل”  Walter Mischel الأستاذ بجامعة ستانفورد عام 1972 بهدف قياس ما يسمى “بالإشباع المؤجل” Delayed Gratification لدى البشر؛ أي دراسة قدرة الإنسان على الانتظار لنيل جائزة عينية تشبع حاجته. وفي تلك التجربة، قام عالم النفس “والتر ميشيل”  Walter Mischel بإجراء اختبار على عدة أطفال ينتمون لفئات عمرية متقاربة (من سن ثلاث ونصف سنوات حتى خمس ونصف سنوات)، ووضع كل طفل فيهم في غرفة خالية من أي جاذب للإنتباه، خلا كرسي وطاولة. وعلى الطاولة وضعت قطعة من المارشميللو، وتم التنويه على كل طفل أن من يستطع الانتظار لمدة ربع ساعة دون أن يقرب قطعة المارشميللو، لسوف تضاعف إلى قطعتين كجائزة على انتظاره. وأما من لا يقوى على الانتظار، فلن تعطى له جائزة، وحسبه ما التهمه.

ولقد خلص العالم أنه بمراقبة سلوك الأطفال الذين استطاعوا الانتظار وفضلوا “الإشباع المؤجل” Delayed Gratification لشهوتهم، أن التحكم في الشهوة قادهم فيما بعد – وخاصة بعد البلوغ – إلى إحراز درجات أفضل في المراحل التعليمية،  والتحكم في الشهية، مما سهل عليهم الاحتفاظ بقوام أفضل. وأكثر من كل هذا وذاك، تفاقمت لديهم القدرة على التحكم في السلوك الشخصي بصورة أكبر، مما دفعهم لتحقيق نجاحات على أرض الواقع. وذلك على عكس ذويهم في التجربة الذين فضلوا المتعة اللحظية أو “الإشباع اللحظي” Instant Gratification للشهوة. ومن الجدير بالذكر، أن نتائج التجربة تتأثر بالخلفيات الثقافية، والاجتماعية، والبيئية للأطفال. أضف إلى ذلك، من الواجب وضع الحالة الاقتصادية لعائلة الطفل في الاعتبار. فأغلب الأطفال الذين ينتمون لعائلات فقيرة، فضلوا أكل قطعة المارشميللو آنياً دون أدنى ندم.  وتلك التجربة منذ ذاك الحين حتى الآن يتم إجرائها مع إحداث تغييرات طفيفة على المعطيات، من أهمها قياس مدى ثقة الطفل فيمن سيمنح له قطعة المارشميللو المضعفة كجائزة على انتظاره. ووجدوا أن سلوك الأطفال الذين يثقون فيمن يجري عليهم التجربة قد جعلهم ينتظرون لأكثر من ثلاث ساعات؛ ليقينهم أن مانح الجائزة سوف يأتي حتماً ويمنحهم الجائزة المؤجلة. أما الأطفال الذين فقدوا الثقة فيمن يجري عليهم التجربة، فضلوا “الإشباع اللحظي” Instant Gratification للشهوة، وأكلوا قطعة المارشميللو تواً دون ندم.

وبالقياس، فبالنظر لأعمال الفنان عادل إمام، نجد أنه استطاع مزج الكوميديا بالرومانسية، والنقد السياسي والاجتماعي في خلطة فريدة جعل منها قطعة المارشميللو التي ينتظرها المشاهد. ولقد خاطبت أفلامه جميع المستويات الثقافية؛ فمحتواها الجاد خاطب الطبقات المثقفة التي تسعى للتفكر في قيمة العمل وأهميته بشكل يضاهي “الإشباع المؤجل” Delayed Gratification. وفي نفس الوقت، حاول أن يوصل الرسالة التي يحتويها عمله الفني للمشاهد المتواضع الثقافة عبر الأسلوب الكوميدي الساخر فيما يشابه “الإشباع اللحظي” Instant Gratification. وبذلك، استطاع الفنان عادل إمام أن يحظى بثقة المشاهد طوال مشواره الفني؛ لأنه يقدم له صورة بطل من عامة أبناء الشعب، فاستطاع إقناع الجمهور أنه قوي؛ أو شديد الوسامة؛ أو شديد الدهاء؛ أو قادر على محاربة الفساد حتى ولو بطرق مستترة أو ملتوية يشوبها إعوجاج. وفي إطار كسبه لثقة الجمهور، استطاع الفنان عادل إمام أن يقدم لمشاهديه من خلال أعماله الفنية قضايا جادة سواء اجتماعية، أو سياسية، أو حتى دينية، ودَّ أن يلفت لها نظر المشاهد. وبذلك، لم يتأثر فنه بتقديم “ما يريده الجمهور”، لكنه فضل أن يسلك الطريق الصعب وهو التغلغل في فكر الجمهور من خلال عروض لا تشوبها السفسطة أو الحذلقة الفكرية. وحين لا يجد البعض ما يبغيه من رسالة قوية في أعماله، ينتظرون عمله المقبل لثقتهم أنه لن يخذل جمهوره المتابع لأعماله.

لقد استطاع الفنان عادل إمام أن يحفر اسمه في سماء السينما بانتهاجه أسلوب لا يضاهي أي من معاصريه؛ لأنه منهاج خاص به. وبالرغم من تأثر معاصريه من النجوم بالتقلبات المتكررة في سوق السينما، إلا أن عادل إمام قد عبد مساراً خاص به، ودرباً لم يستطع أي من معاصريه أن يطأه بقدمه. ومن الجدير بالذكر أن الفنان عادل إمام لا ينتظر أبداً أي تكريم أو جوائز من هيئات ومؤسسات؛ فهو على شاكلة ما يقدمه من أعمال، ينتظر المكافأة المؤجلة من مشاهديه الذين يمنحونه وسام وجائزة المحبة على هيئة “إشباع مؤجل” Delayed Gratification.

مقالات من نفس القسم