لم يقتسِمْ معها
صحنَ الزيتون
ولا قاسمَها
ثمارَ الذُّرة المشوية
على ضفافِ النيلْ.
***
لم يُوشوِشْ لجُدرانِ البيت
حتى تنتبه أمُّها
-التي في السماءِْ-
أنه جاءَ
…
فتطمئِنُ على ابنتِِها
وترقدُ في سلامْ
…
ولا قرأ خطاباتِ جَدِّها
لجَدَّتِها
حتى
يتعلّمَ فنَّ الهوى.
***
لم يتركْ لها مِخلاةَ صَيدِه
التي تسقطُ منها الطرائدُ
لتقتاتَ منها
إذا ما ذبحَها الجوعُ
ولا تركَ على طاولتِِها
كأسَ ماءِ
تروى ظمأ السنين.
***
لم يجلبْ لها
نَبتةً في إصّيصْ
…
لأن النباتَ حياةٌ
…
وما جَاءَ إلاّ
ليزرعَ الموتَ
على حوافِ الأضرِحة.
***
جاءَ
والفرحُ مخبأٌ
في ثنايا حقائبِه
…
لكنّه
لم يفتحِ الحقائبَ أبدًا
حتى لا
يفِرَّ الفرحُ
ويملأَ جنباتِ البَيْتِ الذي
تسكنُه الوحشة.
***
لم يتركْ عندَ أقدامِ العروسْ
فستانَ العُرسِ الذي
غَزَلَه النسّاجونَ شهورًا
من أجلِها
…
بلْ
أخذَه معَه
ليُمزِّقَ خيوطَه
أجلافُ الصحاري
عند أبوابِ المدينة.
***
لم يَخُطّ بيدِه:
‘أُحبُّك’
التي نسي أنْ يكتبَها
ساعي البريد
على باقةِ الزهرْ
في عيدِ العُشاق.
***
لم يتركِ الصبيةَ الوحيدةَ
تنامُ على صدرِه
وتحكي
حكايا طفولتِها
…
إنما
أمرَ ‘مسرورَ’
أن يُجهِّزَ السَّيفَ
الذي يَجُزُّ نحورَ العذراواتْ
قبل صياحِ الديكْ.
***
مضَى
إلى حيثُ يمضِي الذين يمضون
بغيرِ إيابْ
…
دون أن يزرعَ نبتةَ البامبوو
خضراءَ
في حَوضِ الزجاجْ
…
ودون أن يتركَ الثوبَ
أبيضَ
في دولابِ العروسْ
…
ودون أن تنامَ العروسُ
على صدرِه
وتحكي
حكاياها الملونةْ
…
ودون أن يتركَ اِسْمَه
على بطاقةِ الزهرِ الأرجوانيّ
…
ودونَ أن يُحرّكَ بندولَ الرنينْ
…
ودون أن يسقي الورودَ
والطيرْ
…
ودون أن يُطعمَها من يديه
كَرزَةً
زرعتها من أجلِه.
***
هكذا مضَى
في صمتٍ
دون أن يتركَ في البيتِ الحزينْ
أثرًا
ولا ذكرى
…
لملَمَ أشياءَه
وسرقَ
من صندوقِ وحدتِها
قطعةَ الفرحِ الوحيدة
التي جلبَها في حقيبتِه
…
وتركَ محلَّها
شوكةً
سوداءَ
تُدمي القلبَ الواهنَ
….
تُوجِع.
***
يجيءُ الفرحُ ويمضي
وينسَى
أن يملأ البيتَ بالفرحْ
…
الفرحُ دائمًا
ينسَى
أنه فرحٌ!