رفع رأسه إلى أعلى متطلعا إلى النوافذ المشرعة المضاءة: مع مجيء الليل تشتعل الأضواء في البيت الرمادي. ولا يعرف هل هناك من يشعلها، أم أنها تشتعل تلقائيا؟ لا يعرف أيضا لماذا تظل النوافذ مشرعة أبدا، ولماذا لم يلمح قط شخصا أو ظل شخص يقف خلفها أو يطل من إحداها…؟
أسئلة ترج رأسه كل ليلة، وتنبثق منها أسئلة أخرى، فلا يجد جوابا غير هذا السكون الموحش المطبق، بإصرار، على البيت الرمادي وحديقته.
حركة الكلب الذي ركض، فجأة، نحو الأشجار المنتصبة على يمين الطريق الإسفلتي، نبهته. التفت متوجسا، يبحث عن أثر الكلب بعينين قلقتين، ووضع سبابته على الزناد. بلغ توتره مداه، فخطا باتجاه شجرة ضخمة، ورمى ببصره، عبر أغصانها المتشابكة، إلى البعيد. لم يلبث الكلب أن رجع يعدو، وتوقف عند قدميه يلهث. ربت على ظهره متكلفا الابتسام، وأخذ يمسح بنظراته الأشياء بعدما ألفت عيناه العتمة.
قالوا له: كل الذين جربوا حراسة البيت الرمادي لم يستطيعوا الاستمرار.
طيلة فترة التدريب، كانوا يشحنون رأسه بالأوامر، ويتركون عبارات مريبة تنفلت من أفواههم، دون أن يسعفوه بأدنى تفسير.
– لماذا سأحرس البيت الرمادي؟
– احرسه وكفى.
– كم ستستغرق الحراسة؟
– احرسه حتى إشعار آخر.
منذ أتوا به إلى هذه الحديقة الموحشة، في سيارة طوت المسافة بسرعة فائقة، وهو يحاول أن يفك شفرة الغموض المربك الذي يغوص فيه البيت الرمادي. لكن، عبثا!
– نفذ الأوامر. هذا كل ما في الأمر.
وهو يقوم بالحراسة، سمع مرة قرقعة شيء يتساقط على الدرجات الداخلية للبيت الرمادي. ومرة أخرى، ألقِي بمزهرية من إحدى النوافذ، فتحطمت على درج عتبة البيت، تحت بصره. ومرة ثالثة، تناهى إليه نباح الكلب قادما من جهة النباتات الشوكية المتكاثرة خلف البيت، فلما سارع إلى اقتفاء أثره، رأى، تحت ضوء القمر، دمية من وبر عالقة بين الأشواك. كانت تغني: « شبيك لبيك…»! اختطفها بهلع متطلعا حواليه، وأدار المفتاح المثبت خلف ظهرها، فخرست.
تلك الأحداث الصغيرة أججت فضوله وأضرمت الخوف والحيرة في نفسه: من وراء كل ذلك؟ ولماذا؟ هل تراهم يعبثون بي؟ يريدون تعذيبي أو إرسالي إلى الجنون؟ …
تدفعه الأسئلة إلى استرجاع شريط حياته، فيلقي الضوء على التصرفات التي اقترفها في هذا الموقف أو ذاك، ويلتقط الكلمات التي تفوه بها في هذا المقام أو ذاك، كأنما يبحث عن قرينة تدينه أو دليل يشهد على تورطه في ما من شأنه أن…
يعييه البحث، فيؤوب إلى سؤال البداية: لكن لماذا قبلوا أن أجتاز الاختبار بنجاح؟ أ في الأمر خدعة ما؟
اقتعد الدرجة العليا المفضية إلى عتبة البيت الرمادي، وترك الكلب يتلهى بعظم كان ملقى تحت الدرجة السفلى، بينما أخذ بدوره يتلهى ببطاريته الصغيرة: يشعلها ويطفئها، موجها نورها تارة صوب الطريق الإسفلتي الذي كانت تأتي منه، من فترة لأخرى، سياراتهم الفارهة، وتارة أخرى صوب أشجار اليمين فأشجار اليسار، وتارة ثالثة صوب الممرات المتقاطعة والمقاعد الحجرية التي تتوزع مساحة الحديقة.
انتفض الكلب نابحا، فجأة، حين انطفأت أضواء النوافذ. انتصب واقفا وقد داهمت الرعشة جسده، واشرأب بنظره نحو النوافذ. مصباح باب البيت ظل مشتعلا. لم يلحظ طيفا أو حركة، ولم يسمع أي صوت. صاح: من هناك؟ كررها، فعاد إليه صدى صوته، متجاوبا مع النباح. أشار إلى الكلب ، بانفعال، أن يصمت، وهمس لنفسه نافد الصبر: هل سأراقب الداخل أم الخارج؟!
– لا أحد منهم استطاع ان يستمر..
هل بدأت إرهاصات الخطر؟
الحجرة الصغيرة التي كان يستريح فيها نهارا، حين يكون معفى من الحراسة، كانت منتصبة هناك في الأسفل، على يسار الدرج. لكن كان محظورا عليه أن يباشر الحراسة من نافذتها ذات القضبان الحديدية. هكذا هي الأوامر. وأدنى إخلال بالشروط، سيعيده توا إلى البطالة.
هدأ قليلا، وأقنع نفسه بأن يعتبر الأمر كله مجرد لعبة، سيما وأن أغلب التهديدات لم يصدر إلا من داخل البيت. لكن مهلا! أليست هذه مجرد البداية؟ ألا يتعين عليه أن يجند كل خبرته، ويستنفر كل ما يختزن من صبر وشجاعة، لمجابهة الخطر الذي سيداهمه من الخارج: من خلف السور المحيط بالبيت وحديقته، أو من غابة الأشجار ودغل النباتات الشوكية، أو من الممرات المتاهية…؟ عليه أن يتوقع حدوث أي شيء، وفي أية لحظة، على طول هذا الليل الذي لا ينجلي إلا على حساب أعصابه. وأهم شيء: أن يستبقي تماسكه إلى آخر لحظة.
لم تعد الأضواء إلى الاشتعال في النوافذ، كما لو أن عطبا قد أتلفها بالضربة القاضية. بات ليلته صحبة كلبه، يقلب الأسئلة والأفكار في رأسه، كمن يقلب، في موقد، حطبا لا يخبو إلا ليلتهب. ولما أهلت أنوار الفجر الأولى، كان قد بدأ يغفو.
على زعيق أبواق السيارات القادمة من الطريق الإسفلتي، أفاق مباغتا. كانوا يجيئون في أوقات مختلفة من النهار، لكنهم لم يعتادوا المجيء في الصباح الباكر. انطلق الكلب يعدو باتجاههم، بينما تلبث هو في مكانه، يمشط شعره ويسوي هندامه.
ثلاث سيارات متشابهة، توقفت في ساحة البيت، واحدة خلف الأخرى. نزل من كل سيارة رجل ببذلة زرقاء، فيما بقي الآخرون في المقاعد الأمامية ينظرون جهة البيت الرمادي. سمع أبواب السيارات تصفق في قوة تخلف في النفس وقع المهابة، فيما كان الرجال يتقدمون نحوه والكلب يحوم حولهم باحتفاء ينم عن استئناسه برائحتهم.
على غير العادة لم يكونوا مثقلين، هذه المرة، بتلك الأكياس والصناديق التي يحملونها إلى داخل البيت الرمادي، ثم يعيدونها فارغة إلى صناديق السيارات. وكان أحدهم يمسك حقيبة صغيرة، وتتدلى آلة تصوير على صدره.
حياه ذو الشريط الأحمر المطوق للكم الأيمن من بذلته، على حين راح حامل آلة التصوير، دون استئذان، يلتقط له صورا من زوايا مختلفة.
مكث صامتا، في دهشة، يكتم أسئلة تكاد تنط من طرف لسانه، لحظة ألقى إليه ذو الشريط الأحمر بالأمر المعتاد:
– أحضر التقرير!
فباغته الرجل الآخر، بصوت قوي خشن:
– أسرع! ماذا تنتظر؟
..عندما غادر حجرته وفي يده تقرير عن ليالي الفترة الأخيرة، كانت السيارات ما تزال واقفة في أماكنها، وعيون رجال المقاعد الأمامية تراقبه، غير أنه لم يجد أثرا للثلاثة الآخرين. ولأن الكلب كان منتصبا أمام الباب، فقد حدس أنهم دلفوا إلى البيت الرمادي، وما عليه إلا أن ينتظر خروجهم ليخلد، بعد رحيلهم، إلى الراحة.
التحق بالكلب أمام الباب، وطفق يغالب عبء الانتظار بمراجعة التقرير. كان متوجسا من الأيام الآتية، وتلك العبارة الرهيبة تتردد في أعماقه: « لا أحد استطاع الاستمرار..»، لاسيما وأنه ترك بعضا من أسئلته المحيرة يتسرب إلى سطور التقرير.
ما لبثوا أن رحلوا، بعدما تسلم التقرير ذو الشريط الأحمر. تنفس الصعداء، حاملا نفسه على تأجيل النظر في زيارتهم المفاجئة إلى ساعات الليل الثقيلة. غير أن الأسئلة ما فتئت تناوشه من حين لآخر، رغم أنه كان يحاول الانفلات من قبضتها، مداعبا كلبه، أو سائقا خطواته إلى الممرات المتقاطعة، أو هاربا بنظراته إلى أشياء الحديقة…
منهكا كان حين تنبه إلى أنه نسي أن يأكل ما يسد رمقه، فتهالك على الكرسي الوحيد في حجرته، وراح يمضغ بتلذذ حبات تمر. اندس تحت الغطاء، فوق سريره، بعد أن أغلق علبة التمر وأعادها إلى مكانها في الخزانة القصديرية، ووضع البندقية تحت الوسادة. وهو مسترخ أخذته غفوة لم يستيقظ منها إلا على نباح الكلب.
كان ينبح ويتقافز أمام البيت الرمادي، كأنه يحاول التقاط شيء ما. صعد درج العتبة، مغالبا بقايا النوم، فلاحظ شيئا يلتمع وسط دائرة قفل الباب. ذهل لما اكتشف أن الأمر يتعلق بمفاتيح الباب. حدق إليها في حلقتها المذهبة التي يتدلى منها شريط أحمر، وتحسسها بأصابعه، كأنه لا يصدق ما تراه عيناه: أيمكن أن يكونوا قد نسوها؟ التفت تلقائيا ناحية الطريق الاسفلتي وامتدت نظراته حتى البوابة الحديدية ذات القوس المتوج بثلاثة رماح.
أحد ما حاول أن يتسلل إلى البيت؟
سقطت نظراته على الكلب الذي كان ما يزال يحرك ذيله مزهوا بلقيته، ثم جال بها حول البيت، ثم نزل الدرج إلى الساحة دون أن يكف عن البحث عن أثر دال.
مستحيل! المفاتيح مفاتيحهم، وهذا الشريط الأحمر دليل. كانوا مستعجلين، لسبب ما، فنسوا المفاتيح.
أحس يقينا أن استنتاجه سليم، عندما تفقد صحبة الكلب كل أمكنة الحديقة. ما من متسلل هناك، ولا شيء يدعو إلى الارتياب. قادته تحرياته إلى حدود السور العالي المحيط بالبيت والحديقة، واكتشف لأول مرة وجود جدول ماء ينساب على طول السور، بل إنه تمهل لحظة بالقرب من البوابة الحديدية، وتطلع من خلف قضبانها إلى الخلاء الممتد شاسعا أجرد، يخترقه طريق أسود يبدو مستقيما حينا، متعرجا حينا آخر، إلى أن يختفي، وما من شيء هنا أو هناك سوى أشجار برية متناثرة..
لا بد أن يعودوا.
كذلك قال لنفسه وهو يتحسس المفاتيح في جيب سرواله، مقاوما إغراء رغبة طاردته خلال تفقده لأمكنة الحديقة.
النهار موشك على الأفول، وهم لم يعودوا، والمفاتيح تومض بالإغراء. اتجه أخيرا نحو الباب، مدركا أنه يخطو فوق حبل من تحته هاوية فاغرة شدقيها لابتلاعه. أدخل احد المفاتيح في فتحة القفل. كان مرتبكا حتى أن أصابعه كانت ترتعش. لكنه كان مدفوعا برغبة لا تقهر لاكتشاف السر. تضاعف ارتباكه حين أبى المفتاح أن يستدير يمينا أو يسارا، واضطر إلى تجريب مفتاح ثان وثالث، دون نتيجة تذكر. خيل إليه أن المفاتيح زائفة، وأنهم تركوها عمدا ليختبروا أمانته، ولا بد أن عينا ما تراقبه من مكان خفي.. ولحظة دار أحد المفاتيح في القفل، أحس أن فضوله أقوى من هواجسه، فتقدم..
أوعز إلى الكلب أن يبقى في الخارج، واقتحم عتمة البيت الرمادي. كانت عتمة خفيفة لم تمنعه من تمييز ممر طويل على جانبه أبواب مغلقة، وفي نهايته يبدو درج من خلف قضبان حديدية. ضغط على زر الكهرباء، فانتشر على الفور ضوء قوي. جرب أن يدير مقابض الأبواب واحدا واحدا، فلم ينفتح أي باب. وكان يتصبب عرقا عندما فتح أحد المفاتيح أحد الأبواب. أشعل الضوء، فأحس بالخيبة إذ رأى الفراغ مطبقا على الغرفة: أرضية متربة، وجدران عارية زرقاء، وسقف عاد، ولا نافذة هناك. تمكن من فتح بابين آخرين، فتفاقمت خيبته: الغرف تنسخ بعضها البعض.
أي سر هناك؟ هل كنت أحرس الفراغ؟ لكن مهلا! هذه الأرضية المتربة ليست مستوية تماما. ثمة نتوء في الوسط. أتراهم يخبئون شيئا ما تحت هذا التراب؟
بحث في الغرفة عن أداة للحفر، فأس أو رفش أو عصا..، فلم يعثر على شيء. جثا بركبتيه على الأرض، وأخذ ينبش بيديه مستعينا بالمفاتيح. اتضح له، بعد محاولة مضنية، أن سبر عمق هذه الأرضية يحتاج أداة حفر حقيقية، وإلا فإنه سيهدر وقتا طويلا قبل أن يظفر بشيء. فتح أبوابا أخرى، فتأكد من فكرة تماثل الغرف، لكنه لم يعثر على أداة للحفر. واسترعى انتباهه في إحدى الغرف أثر لطخة على أحد الجدران. كانت داكنة الحمرة مثل لطخة دم يابس. التفسير الذي تبادر إلى ذهنه جعله يرتجف، وكاد يركض فارا من سر رهيب قد ينكشف في أي لحظة. إلا أنه استعاد هدوءه، منوما مخاوفه بفكرة أنه لم يضع يده بعد على ما يزكي ما خطر بباله.
لعلي أجد شيئا في الطابق العلوي.
لم يكمل فتح جميع الأبواب، وقصد باب الدرج الذي انفتح حين جرب المفتاح الثاني. صعد أول درجة، وضغط على زر الكهرباء. وقبل أن يصل إلى نهاية الدرج، انتفض مباغتا بصوت انصفاق الباب.
هل أوصده أحد ما؟
نزل حتى بلغ الباب الحديدي، ليلقي نظرة قلقة من خلف القضبان. فرأى الممر الطويل المضاء والأبواب المغلقة على جانبيه، وما من أحد هناك. استدار لاستئناف صعوده، إلا أنه ما إن تخطى درجتين حتى توقف وألقى نظرة أخرى على الباب: كان بدون مقبض. نزل لتجريب المفتاح، فلم يفلح. كان القفل مصمما على نحو مختلف: لا ينفتح إلا من الخارج. أطل من خلف القضبان الحديدية، ودلى يده من فرجة بين أقرب قضيبين إلى القفل. كان رأس إصبعه الوسطى يلامس بالكاد مقبض الباب.
يا للفخ!
همس لنفسه، بعدما أخفق في فتح باب الدرج. كان الرعب قد احتل كل خلية من خلايا جسده، لكنه مع ذلك راح يحرك الباب بكل ما أوتي من قوة. ثم أخذ يصيح مناديا على كلبه، فأتاه رجع الصدى. تناهى إليه النباح، وخيل إليه أنه يرى كلبه يتقافز منقضا على باب البيت. فاجأ نفسه، بعد حين، يضحك ساخرا من نفسه: كيف انقاد، بعمى، إلى المستحيل؟ أليس هذا هو الجنون بعينه؟
بمحاذاة الباب الحديدي الموصد، استرخى على الدرجة الأخيرة. وأخذ يكرر هامسا: كلا، لم ينسوا المفاتيح.
* * *
يداك مقيدتان إلى السرير، لكنك كنت هائجا: تصرخ والزبد يتناثر من زاويتي فمك. تركل بقدميك وتحاول فك وثاق يديك. صوتك الذي بح لم يفتأ يكرر: «القتلة! لقد دفنوهم هناك».
انقضوا عليك بحقنة، فتداعيت، شيئا فشيئا، إلى الهدوء. وديعا طفقت تنظر إلى الطبيب الذي ربت على كتفك مواسيا، وحرر يديك بنفسه، قبل أن ينخرط، بصوت خفيض لطيف، في الحديث عن حالتك النفسية. كان تشخيصه يتلخص في معاناتك من«الخيال السوداوي»، الذي لا يعدو كونه خيالا منظما يتحول، بفعل ضغوط الواقع، إلى وسواس قاهر. ولما فرغ من حديثه، أشار إلى المنضدة الصغيرة جنب السرير قائلا:
– لقد أحضرت لك قلما وأوراقا.. ما عليك سوى أن تفرغ كل ما يتبادر إلى ذهنك. تستطيع أن تكون فنانا عظيما، فقط أنظر إلى خيالك كما هو: مجرد خيال. وحاول أن تقوده إلى اتجاه إيجابي.
واسترسل في توضيح معنى الاتجاه الإيجابي. كنت مستسلما إلى كلماته الخفيضة اللطيفة، تنظر إلى شفتيه تتحركان وتتابع تعابير وجهه وحركة يديه. أخذ الانفعال يدب، تدريجيا، في ملامح وجهك،حتى قاطعت الطبيب، فجأة، محتدا:
– لكن ما رويته حقيقي.
– أنا أصدقك. لكن حاول أن تميز بين حقيقة الواقع وحقيقة ال..
– عدنا مرة أخرى إلى الخيال؟ لم لا تقول إني أهذي؟
– سوف تشفى إن وعيت حقيقة ما يحدث لك. ساعدني أرجوك.
– ما حدث لي واقع حدث فعلا، وإلا لماذا يحضر في ذهني بكل وضوح ودقة؟
– تلك هي خاصية «الخيال السوداوي» على وجه التحديد. فمحتوياته واضحة ودقيقة. لكنه مادام مفارقا للواقع، فإنه ينطوي دائما على ثغرات تفضح حقيقته.
– ثغرات؟
– خذ مثلا ما رويته: الأضواء التي تشتعل تلقائيا.. الأحداث التي تقع داخل بيت خال.. والحراسة ليلا دون النهار.. ثم باب الدرج الذي لا ينفتح إلا من الخارج.. والبندقية. كيف تفقدت أمكنة الحديقة واقتحمت البيت دون أن تتسلح بالبندقية؟.. ثم..
وأخرست الطبيب بصيحتك المباغتة: «أغرب عن وجهي يا مأجور.. أغرب يا… ». وسارعت الأيدي المدربة الصارمة إلى شد وثاقك مرة أخرى.