كأنك كنت ترسمين حالى فى لوحتك «بغير أمل»، عندما يتحول الطعام إلى عبء يحاول الأطباء والمحيطون بنا إجبارنا على تقبله.. هم يعرفون أن فقدان الشهية يمنعنا من تقبل الحياة، لكنهم يحاولون إبقاءنا معلقين بالحياة بخيوط واهية.. يا فريدا أنا لا أعانى فقدان الشهية، أنا أحب الطعام وكنت ماهرة فى صنع المعجنات والحلويات، لكنها المسكنات الرحمة واللعنة، تتصرف المسكنات وفق المقدر والحتمى، وكعادة كل الأشياء فى تعاملها مع المنذورين للألم، تظهر لنا وجهها القبيح المظلم بعد فترة تمل وتفقد تعاطفها معنا فيصبح تأثيرها عابرًا، غير مجدٍ، وتأسرنا فى هوة الأعراض الجانبية.. القىء والإمساك، هل هناك خلل وتخبط فى الجسم يفوق أن ما تأكله يخرج من فمك دون استفادة سوى الإحساس المستمر بالنزف والفقد والإجهاض.. لست وحدك من عانيت الإجهاض، فى كل مرة يصرعنى القىء أشعر بالإجهاض.. أنزف من فمى لقيمات أكلتها مع انقباضات وتشنجات فى معدتى، تطرد العصارة الخضراء والخلايا المبطنة لجدرانها.. ومعهما وقبلهما تطرد روحى كأنها عفريت يتلبّسنى، يعانى من ضربات ودقات دفوف فى جلسة زار، يتصبب عرقى، لا أتحكم فى بولى. وكردة فعل لهذا الانسياح تنقبض عضلات أمعائى وتنزوى على نفسها، تلتصق وتلتصق حتى لا يكون هناك مكان سوى لغازات تضغطنى وأحتاج حقنًا شرجية لإفراغها.
فريدا حرمك «شلل الأطفال» من ارتداء الفساتين دون جوارب صوفية تدارى اعوجاج ساقيك، وأنا حرمنى الورم وأجبرنى أن أغير مقاساتى، أن أكوم ملابسى فى (سحارة) جدّاتى، حيث الماضى والذكريات التى أتمنى أن تعود.. هل سأستخدمها ثانية؟ هل تكفى رائحة اللافندر لحمايتها من «العتة» حين أعود لارتدائها؟.. أحب فستانى الأخضر اللامع.. ارتديته فى خطوبتى.. عارضت أمى أن أشتريه، الأخضر ليس مناسبًا للسهرات، لكن أصررت على شرائه وكان جماله وأناقته مثار إعجاب الجميع، وصار موضة بعد ذلك، ولم تعد قريباتى من الشقراوات يخفن اللون الأخضر.. تذكرين يا فريدا كيف يكون الإنسان قبل الألم، الإنسان من غير موجع سلطان، ملك، أمير.. كما أنت فى لوحتك «فى الرداء المخملى» السلام والأمن وشىء من المباهاة الأرستقراطية وينقض الألم على أجسادنا الضعيفة سهامًا مسمومة ويحولنا إلى «آيل مجروح».
فريدا.. لوحاتك تحكى قصصًا كالتى أريد أن أقرأها، أحتاج أن أشعر أنى لست وحدى هناك من يشاطرنى ويشعر بوجع الألم.. هل أقول لك سر: أنا أحتاج لنظارة قراءة، أحتاج أن أقرأ قصص المكتبة الخضراء.. القصص البسيطة التى بها صفحات ملونة وفى خاتمتها حكم برّاقة.. الوقت ثقيل يا فريدا والألم يجعل النوم سرابًا، وإذا جاء يأتى قلقًا لاهثًا متقطعًا تطاردنى فيه القطط وتنهش ظهرى.. القطط التى تستكين على عتبة بيتى دونًا عن بقية شقق العمارة، لا أستطيع أن أدعى أنى أشجعها.. أنا لا أستطيع أن أقدم لنفسى كوب ماء.. فريدا أعضائى متيبسة والقطط تنتظر خروجى.. هل تؤمنين بتناسخ الأرواح.. لعلى كنت قطًا فى زمن ما، فى مكان ما.. لا بد وأن هذا شىء من الحقيقة.. فلدىّ إحساس حوّله المرض إلى يقين أننى أعيش فى المكان الخطأ فى الزمن الخطأ.
فريدا لروحك السكينة التى أفتقدها، ولى الألم الذى نتشاركه.