نقاط ما فوق الحروف

ألعاب قد تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسين عبد العليم

استمرت معي حالة الصخب، ظللت أتحدث بذلك الصوت العالى، وأحدث حركات سريعة بيدي ورأسي، وأرسل نفس القهقهات، وأمارس القفشات اللغوية الجنسية وعندما تحدث برهومة عن دينه الضخم ل علي عبد التواب تعمقت معه في الحديث، وطرقت مختلف جوانبه كأنه أهم وآخر مواضيع العالم، أيضا عندما حول جورج دفة الحديث نحو سفره الأخير لقبرص؛ انتبهت وسألته بالتفصيل عن نيقوسيا وليماسمول كنا قد قطعنا شارع متنزه فاروق، ووصلنا إلى موقف سيارات السرفيس. سلم علينا جورج، وركب السيارة رقم 6 عائدة إلى منزله. إذ أن وراءه أعمالا مطلوب إنجازها، وسوف يسهر عليها حتى الصباح هو وسوزي.

ستمررنا في السير أنا وبرهومة وحمد حتى وصلنا إلى المقهى، أخطرنا الجرسون أن وصفي وحسن سألا عنا أثناء انتظارنا لإحضار الشاي بالحليب، كانت قد وصلت عربة الجرائد متأخرة عن موعدها اليومي، اشترينا الجرائد وشربنا الشاي ولمعنا الأحذية عند (ديب) ولاعيناه بالكلام.

 قمنا، عندما وصلنا إلى المزلقان استأذن حمد لأنه مرهق نفسيا،ركب السيارة السرفيس رقم 3 عائدة إلى منزله، سرت أنا وبرهومه ناحية سوق الخضار، مررنا على (فاروق) فاشتريت زجاجة من الزبيب، أخطرنى برهومه بانه سوف البيت عند حماته اليوم؛ فزوجته عندها، وهو يفضل ألا يبيت بمفرده في شارع المنتزه

انفجرت في الضحك، قلت له: هكذا إذن.. عد إلى أصلك من سوق الخضار جئنا.. وإلى سوق الخضار نعود، مالك إنت وشارع منتزه فاروق يا جرذ؟! ضحك هو أيضأ.

 وصلنا ميدان الشيخ سالم، وقفنا إستعدادا للافتراق، كانت الفيوم القديمة بهية في هذا الوقت المتأخر من ليل سبتمبر. قال إنه سيغادر إلى فرنسا مساء الخميس القادم، وربما يعود في أواخر الشتاء، قلت: سأغادر إلى القاهرة صباح الغد، وسأرجع خصيصا بعد يومين – الثلاثاء – لأسلم عليه وأجلس معه بعض الوقت ثم أعود.

– سلام.

– سلام

سرت عدة خطوات، فوجئت به يستدرك بصوت عال: إذا لم تأت اتصل بي بالتليفون.. اكتب لي أنت أولا.

 أمامي شارع الشيخ سالم بطوله، ثم الفوال، ثم يسارا إلى مدرسة الصنايع، أعبر مزلقان البارودية وأمر بجوار جمعية أصدقاء الكتاب المقدس، فصيدلية فؤاد، فسوبر ماركت عرفه، فیسارا في شارع المنتزه إلى أن أصل إلى البيت. كل هذه المسافة، كل هذا الزمن أتخيل وجهك الباكي، محمد، الله يلعن أباك، لماذا لم تمتلك الشجاعة فتصرف سائق السيارة البيجو وتفاجئنا بأنك لن تسافر للخليج ثانية؟!، ثماني سنوات وأنت تفعل بي نفس الشيء، لماذا تصر على ألا تكون مكتمل الجمال؟؟؟!!!

دببت مفتاحي في باب الشقة، دخلت، شعرت بالبرودة، كانت أمي ما زالت متيقظة، سألتني بحزن إن كانوا قد وصلوا للقاهرة الآن؟ رحلوا منذ ساعتين ونصف

– زمانهم في المطار الدنيا ليل والشوارع فاضية

ـ أختك كانت حزينة أكتر من كل مرة.. جوزها كان (بایظ) وأولادها عيطوا كتير.

– يروحوا ويرجعوا بالسلامة

دخلت إلى حجرتي، خلعت ملابسي، كان أطفالي نائمين، إبنتي الكبرى قد سال ريقها فصنع دائرة صغيرة من البلل فوق الوسادة، جهزت بعض الثلج وكوبا نظيفة ومياه مثلجة وديوانت من الشعر تخيرته كيفما اتفق، فتحت زجاجة الزبيب، غمغمت زوجتي من خلال نومها.

 . شرب تاني، “صحتك”..

لم أرد عليها، بدأت أدخن وأشرب وأقرأ

سرقتني الكلمات فمر الوقت بسرعة، انتبهت على صوت آذان الفجر ينبعث من ميكروفون المسجد المجاور، عذب صوت هذا الشيخ، يحمل بين ثناياه مساحات من الحنين، وجدتني في حالة من الجمال الروحي الشفيف قمت، أطفات النور، تهيأت للدخول في نوم راض.

…………………

*من المجموعة القصصية “ألعاب قد تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه”.

 

عودة إلى الملف

 

 

 

مقالات من نفس القسم