مقطع من رواية “سعدية وعبد الحكم وآخرون”

سعدية وعبد الحكم وآخرون
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسين عبد العليم

منذ الفجر كان عبد الحكم واقفا في شارع قدري بالسيدة زينب. في الناحية المقابلة لمكتب الحوض المرصود، ولا تمر دقيقة إلا ويمد يده في قبة الجلباب يعدل وضع السكينة في جيب الصديري، كان يتلفت حوله في قلق، فكر: أنه يفتقد كلابه الكثيرة التي اعتاد على مصاحبتها له، اعترته قشعريرة عندما تذكر أنياب الكلب هول التي سوف تجذبه من بين المتهمين.

قلب عبد الحكم كفي يديه إلي السماء: والله مالي في الكلام ده.. أجيبها من شعرها إيه أو اقتلها إيه واهبب إيه بس.. مالنا ومالها.. أهي ف حالها ومش أذيانا في حاجة

تواردت علي ذهن عبد الحكم ذكريات صباه مع أخته سعدية أثناء عملهما تماثيل من الطين واللعب بنوى البلح والسير حفاة وراء البهائم: الأكادة مكانش باين عليها أيتها حاجة فيه حد يا عالم تبجي له زوفه مره واحد كده م الباب للطاق؟!

عندما لاح النهار تحركت سعدية نحو الشباك ذي القبضان الحديدية، كانت ذابلة وواهنة، ملأت رئتيها من هواء الصباح.. ثم انفجر كل شيء.

تناهي إلي سمع عبدالحكم جلبة عظيمة وصوت نساء يصرخن، حقق من بين الصرخات كلمة سعدية سعدية، هرول عبدالحكم ناحية مكتب الحوض المرصود، في هرولته وقعت السكينة من جيب الصديري وخبطته في فخذه وساقه حتي استقرت علي الأرض، شعر بها ولم يهتم

كانت سعدية قد أخذت تضحك في هيستيرية شديدة وتخبط رأسها في القضبان الحديدية بقوة غير عادية، انهمرت الدماء ولوثت ملابسها البيضاء وشعثت شعرها وملأت الأرض.

أطلقت التومارجية صفارة تحذيرية وفتحت باب العنبر، جاءت الحكيمة أبلة عظيمة جريا وحملتها بمساعدة المريضات إلى حجرة الكشف.

قال الطبيب الذي أيقظوه من نومه: الخراع جاب آخره، ضمد لها رأسها وجبهتها، كتب في الأوراق: مستشفي الأمراض العقلية..

في ذات اللحظة اقتحم عبد الحكم المكان، تهته وقال للطبيب: أنا.. أنا عبدالحكم أخو سعدية

كويس.. استلمها.. ومعاها للخانكة لحد ما توصلها هناك.. هكتب لك تقرير بخصوص مرضها السري.

ارتابت الحكيمة عظيمة في نوايا عبد الحكم غير أنها عندما دققت النظر في وجهه وتبينت حزنه وانکسارة عينيه هدأت شكوكها وبدأت تتأمل الشفاه المحمرة للطبيب..

دندنت أجراس عربة الإسعاف وهي تجوب شوارع القاهرة في اتجاه الخانكة قليوبية، كانت سعدية نائمة والضماد يحيط برأسها المصابة، مقيدة اليدين والقدمين والجسد بسیور جلدية إلى السرير المثبت بالسيارة ..

وعلى جنب، كان عبد الحكم يجلس، يمسك الأوراق وينظر لها في بلادة.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم