جورج فخرى
مازال حسين عبد العليم يهاتفنى كل أسبوع كعادته..
ألو.. ازيك ياخواجه.. ها أجيلك يوم الجمعه الجايه ومعايا فيلم حلو نشوفه مع بعض.
تلك كانت كلمة السر فى المرحلة الأخيرة من حياته التي بدأت بعد مروره بجراحة القلب المفتوح وعذابات غسيل الكلى.
استمر وزنه فى التناقص وأصبحت نظرته تزداد عتامة..
ظلت علاقتنا أكثر من أربعين عاما رغم كل تناقضات الحياة..
تشاركنا فى كل شيء… كنا نكتب معا ونستمع إلى الموسيقى معا ونشاهد الأفلام معا.
حتى قصص الحب اقتربنا أحيانا من الاشتراك فى حب امرأة واحدة..
عندما علم بحصولى على تأشيرة الولايات المتحدة الأمريكية وعزمى على السفر ومغادرة مصر نهائيا ظل يطاردنى باسطوانة “فيها حاجه حلوه”.
عشقه لمصر أفقده صوابه حتى تآمرت مصر على قتله…
فى واحدة من الجمع التى نلتقى فيها كان مكتئباً وحزينا ومنطفئا، فقد فوجئ يوم الثلاثاء موعد غسيل الكلى بأن ثلاثة ممن يشاركونه الغسيل قد توفاهم الله.
كان يعلم تماما بأنهم قتلوا من جراء الإهمال والتلوث، لكنه لم يسمح لنفسه بالاعتراف بذلك لأن حب مصر كان عائقا أمامه ليتخذ موقفا.
لم يكن حسين عبد العليم يهمه أن يكون كاتبا محترفا أو مشهورا أو مؤثرا…..
كانت الكتابة بالنسبه له كامرأه يبادلها عشقه كهاو ولم يهتم كالكثيرين بمطاردة النقاد والصحف ودور النشر وظل مستمتعا بمقاعد المتفرجين حتى آخر لحظة فى حياته.
كانت كتاباته حافزا لى للرسم وكانت رسومى حافزا له للكتابة.. وكأننا طفلان فى منافسه مدرسية… سعداء بممارسة الفن كهواية.
لم يكن حسين عبد العليم من عشاق التكنولوجيا وليس له حساب فيس بوك أو تويتر أو أى مواقع سوشيال ميديا وليس له أى علاقة بالإنترنت رغم إلحاح الكثيرين عليه.
ظل عشقه للكتابة مرتبطا بالنوستالجيا، يستخدم القلم الحبر التقليدى ويستمع إلى فيروز ويحب السينما… وقد دفعه حبه للسينما للكتابة عن الأفلام التى أحبها.
فى نشرة نادى سينما القاهرة الذى تابعناه بانتظام فى السبعينيات والثمانينيات….
كنت اقرأ مخطوطات قصصه قبل وصولها للمطبعة وكان يخصنى بنسخة من مخطوطاته ويأتى بها لنناقشها قبل المراجعة الأخيرة…
كان منزلى هو مكان حسين عبد العليم المفضل وكان مطبخ منزلى هو المطبخ الذى يسعده أن يقوم بالطبخ فيه وإعداد طبقه المفضل.
الجميع يعرفون أن جورج فخرى هو صندوق حسين عبد العليم الأسود وكاتم أسراره، رغم أن حسين عبد العليم من أكثر من عرفتهم كتمانا للأسرار…
ومازالت أسرارنا حتى الآن موضع نقاش بينى وبينه…
ومازال حسين عبد العليم يهاتفنى كل أسبوع ويعدنى بأنه سيأتى الجمعة القادمة ومعه فيلم نشاهده معا…
ونظل من الصباح إلى المساء نستمع إلى فيروز ونتكلم ونأكل ونشرب وندخن ونمارس النميمة ونحن جالسان فى مقاعد المتفرجين نشاهد أفلام الجوائز ونحلم بإنتاج فيلم عن نوستالجيا حياتنا البائسة.
27 / 9 /2020