نهى محمود
الخفة الموجعة، والحزن الذي يعلق بالقلب، وكل الذكريات التي نحملها في قلوبنا ونشاهد الزمن يمر فيفقدها لمعانها وطزاجتها، الذكريات التي تعذبنا والحنين للأماكن التي تغيرت، وللبشر الذين غادروا، وللأحلام التي بقت مؤجلة ولم تتحقق، وللعمر الذي تسرب وانتهى.
رغباتنا الخفية، وأفكارنا السرية المنحرفة التي ربما بقت في صندوقها الحديدي مصانة ضد الحرائق والتراب والنمل.
تلك هي كتابة حسين عبد العليم، الرجل الابتسامة، هذا هو الاسم الذي منحته له في عقلي أول مرة قابلته فيها في دار ميريت، ربما في العام 2007.
تساءلت بيني وبين نفسي كيف يبدو طيبا وبشوشا هكذا، سأحفظه في قلبي بالرجل صاحب الروح المبتسمة..
قرأت رائحة النعناع، وفصول من سيرة التراب والنمل، وبازل، وسعدية وعبد الحكم وغيرها.
فتتني حكاياته، وعوالمه، شخوصه البسيطة المهمشة، وأبطاله العالقين في شباك أحلامهم.. أثرتني تقنية كتابته البسيطة العظيمة.الفوضى والبراح كانت تلك طريقته، تبدو الكتابة فكرة من هنا وهناك، كسكير يجلس في بار آخر الليل حوله إضاءه خافتة وصمت وتسعفه ذاكرته أحيانا بأمور حدثت أو لم تحدث.. لكن الحديث يبقيه مستيقظا يبقيه حيا.
يكتب بتدفق وعمق، يمكنك أن تسمع صوت أنين وعذاب أبطاله، تلتف بحيرتهم، ترى زمنهم وتحن له بعيونهم، تفتقد الراحلين وتشفق على من يستحق الشفقة.
تنحاز للجميع في كتابته لن يغضبك رجل لا يحب زوجته ولا فتاة ريفية ساذجة فضلت البغاء على العودة لبلدها.
لن يغضبك شيء، ستحب الجميع، ستتعاطف مع الكل وتتفهم.
ربما لأن الإنسانية وطاقة الحب الكبيرة التي كتب بها ذلك الكاتب الجميل حكاياته تدفقت من الورق لروحك.. منحتك شيئاَ من التقدير لأوجاع البشر وأحزانهم.
لا تظن وأنت تقرأ كتابا له أن ثمة حد فاصل بين الحكايات وذاتك، انت تدخل لهناك تتمشى في الشوارع القديمة، تعيش أحلام وآمال البشر
تعرف كيف أحب المصريون عبد الناصر، وكيف كان الملك والوفد والسادات وعماد الدين، وميدان الجيزة وشوارع الأسكندرية، ستسمع صوت موسيقى وأغنيات لعبد الحليم حافظ و محمد عبد الوهاب، سترى أفيشات السينما وصور كلارك جيبل وأنور وجدي..
ستخرج من كتبه محملا بابتسامة تشبه تلك المرسومه في عيونه وعلى وجهه وستعرف انه مرر لكتابته روحه، فحتى عندما غادر جسده بقت كتابته وابتسامته ومريم صديقتي وابنته التي تكتب وتبتسم مثله.