وائل السمرى
لك هنا أن تتعجب من أن تكتشف أنه اسمه من أقل الأسماء ظهورا فى الصحف المصرية من بين أسماء الروائيين والكتاب، فى حين أن منجزه الأدبى يتفوق على تجارب الكثيرين ممن تسمع اسمهم ليلا ونهارا بعشرات المرات، لماذا؟ لأنه حسين عبد العليم ذلك الكاتب الكبير، والكبير جدا، لا يجد وقتا كافيا للتجول على الصحف ليلا ونهارا، ولا يجد ما يمكنه من عمل حفلات استقبال لتوقيع رواياته فى أبهى الفنادق، ولا يجد حوله «شلة» تمجده ويمجدهم، ولا يعبأ بشىء من مفردات الحياة الأدبية المعاصرة، التى لا تمت بأى صلة للأدب.
هو كاتب فحسب، عالم فحسب، سارد فحسب، عبقرى فحسب، لا يهمه من الكتابة سوى الكتابة، فى أعماله الروائية المتعددة، يقف عبد العليم حارسا على وطن ينسرب من بين عينيه انسراب الماء من بين الأصابع، يناجى البكارة فى روايته «رائحة النعناع» يراقب الانحدار فى «فصول من سيرة التراب النمل» يحاول جمع ما تبقى من خراب فى «بازل» يرصد مراحل التغييب فى «المواطن ويصا عبد النور» يرصد ملامح التحول وبدايات الانهيار فى «سعدية وعبد الحكم» يفاجئنا بما حد من اختلال فى «موزايك» ويبكينا على ما فات فى «زمان الوصل» وفى و«الروائح المراوغة».
لم تفكر كثيرا وأنت تقرأ أعمال هذا الكاتب المخلص الأمين للكتابة والإجادة فى جنسيته، فكل حرف فيما يكتب يكاد يصرخ بالمصرية، لغته، ذكرياته، مفرداته، منطقه، رؤيته، تاريخه، روحه، قفشاته، كآبته، كل شىء فى كتابات هذا الرجل تقول لك إنه مصرى حتى النخاع، حتى فى اختياره لدار النشر التى تنشر له جميع أعماله كان مصريا أيضا قحا، فاسم «دار ميرت للنشر» الموضوع على جميع إصداراته يقول لك إنه إنحاز لتلك الحالة المصرية التى تتفرد بها هذه الدار الحبيبة للجميع والتى يعدها الجميع بوابة الدخول لعالم الأدب فى مصر، عبر تبنيها لعشرات الكتاب الموهوبين الذين أصبحوا الآن ملء السمع والبصر.
إننى أدعوك إلى قراءة كل كتابات هذا الرجل الذى أعده كالكنز المخفى، وأعدك بأنك حينما تقرأ له ستعرف أن لمصر حراسا من صلب لا يصدأ، وإن تخفى تحت سطحها الذى يبدو سطحيا أكثر مما ينبغى عشرات الصادقين الحقيقيين الذين لا يلتفتون إلى شىء سوى الكتابة الحقيقية التى ستبقى بينما يزول التافهون.