حسين عبد الرحيم
ما بين الوحدة وعزلة إختيارية، يبحث في عشرين عاماً، كيف مرت وانقطعت به الأوصال وصار الزمن سيالا، ينقلونه لعمله كل يوم على كرسي متحرك. كرجل قعيد، مشلول، مسلوب الإرادة، ولكنه واع، يقظ بشكل حاد ورهابي،، يجتر لزمات ثلاث، تلازمه في سفره، في العمر. أشياء ثلاثة، تخصصه وحده في السير والمسير، تلك الأصوات التي انزرعت بجذوتها في لا وعيه، صوت جهاز التكييف، وهدره البطيء، سلسال، من العرق والدم ودموع لا تفارق مقلتيه، تلمع عينيه كل صباح، مع تجدد الأمل والمشوار في نفس الطريق، أو شريط من ذكريات، سوداء، صوت القطار الذي يذكره بمعان ما للمدينة، وقت الخروج من بيته مسحوبا بلا إرادة، وهن، يتقلب في فراشه في ثكنة قديمة في شارع المشير، قرب ماكان وولى وبقى في ركنة تليدة في ذاكرته. يتقلب في فراشه دوما في نفس المواعيد، كان في الخمسين، في العشرين. في ثلاثينياته، تنزعه الصور من أحشاء ليتقييء، في سريره بلانوم حتى طلوع النهار وزقزقة عصافير نحيلة تركن على نافذة قديمة ليرى منصتا لصوت البحر، محدقا في مرآة مل من النظر إليها كل يوم،صصوت ماكان، تعاوده الذكريات فيهش خصلاته الواققفة وقت انتصابه كالمخبول باحثا عن آلة حادةة يقتل الحنيين المراوغ، فيقطع صباعة الأوسط ويندفع الدم من جديد، تخايله الأماكن، الميناء البحري، مابين الهدر والصخب ووشوشة الغرقى قديما في ممر السخرة ليتذكر جده وبركة الجمال في المناخ،، فتيا في المهد وبدء المشوار عندما ترك بيته البعيد القريب من هدر دبابات الجلاء، وصوت زعيق السفن في الفجر، والماء يتراقص بمهل في حوض الميناء، إستيقاظه في الفجر، وركوبه البيجو، سبعة راكب في الظلام ورحلة طيرانة الشغوف بالقفز في شوارع واسعة تمتليء بالبشر والزحام وصوت الكلاكسات لعربات قديمة ثمانينية، سبعينية وقد ارتدي لباسه التقليدي، بنطال من الجينز الاسود وتي شيرت سماوي بنصف كم. تتمدد قدميه أمامه مرتخية وقد توارت الشمس مابين رماد وسواد، في كل المدن التي سكنته، لا يفيق وهو المستسلم منذ عقود لطنين في الأذن ومساحات من الصمت، وخواء وجلبة في البعيد، وضوء مبهر يغشي عينيه فتتدلى رقبته بعنقة لينظر أصابع قدمه اليمنى التي استطالت بأظافر طويلة متسخة، يحدق لأصابعه من جديد فيزيد ارتباكه ويسيطر عليه الدوار ليجتر ما انفلت من عقود في عمره، نداءات من أهله، والديه،اولاده وبناته وزوجته. لايسمع احدا منهن، ليبقى الصوت والمسار في المدينة؟!!
يرى انعكاساته في طيران الغبار وتلك الوجوه الممسوخة ومنها تلك التي تسحبه بمهل بوفرة في تناقض، رحمة وعطف وتروي وخبث وسخط ونفور يخشي انفراط البقية الباقية من هذا الجسد الهش في ظاهره والقابض على ذكريات مشوار العمر، كشريط سينما لم يزل محتفظاً بجودته، في ركن قصي بذاكرة تتوقف في محطات من عمر توارى ولكنه قابض على وعيه بإحكام فلا ييفارق خياله حتى في بعقله الظاهر وهو يتحرك كل يوم في نفس الشوارع، عابدين ورائحة الفقر المعاصر، التليد. وجنة تبددت في سيرة زبيدة السكندرية وبولا والسرايا، وجيكا، “في محمد محمود كونتوا ديابه وكنا أسود”.. دمه كاد ان ينفجر هنا، هنا مات قاتله داخل مسجد الجهامة واللحى الباطلة، وجماعات من انصار الققتل والسنة،هنا فار دمه، هنا كاد ان يقتل الضابط القاتل صائد العيون، هنا في هذي البلاد ذاكرة سوداء، معطلة، توقف فيها وبها الزمن عند العام 32 في عمر يحسه كابوسا، حلم يقظة، ترهات، لم يبق منها إلا تلك الأصوات الدائرة في فراغات الهجر والخداع وزرع المزيد من اشواك مدببة في أقفية الزمن ووجوهه، كره الحياد الذي إلتصق به وعيه الضئيل فصار يهذي مثلما هو الحاصل بعد خمسة وعشرون عاما في نفس الطريق، تبددت المساكن إلا بقع الدم التي زينت جدران السرايا التي باتت شاهدة على نظرة الكافر بالذكريات، وصوت الملك ولمة الفقراء والجوعي وصهيل الخيول، وضحكة فرييدة ودمعها. الناس والبنايات والمدن والسكن والطريق إلى العمل حتى مع تكرار سخافة قول الشيخ الكهين حي على الفلاح