عباس رحيمة
هذا المساء
سأنتحرُ ببطءٍ
سأضعُ قدحًا وثلجًا
وقطراتٍ من خمرٍ
أنظرُ من النافذة لطيورٍ تنقرُ بعضها،
أحدهما يرفعُ أطرافَ جناحه ويصفقُ وجه رفيقه بحنان وهو مشغولٌ بنتفِ ريشه، أما الثاني فيميلُ كغصنٍ طريٍّ مسّته ريحٌ
أو مسّه جناح الهواء وطربَ.
قلبي صامتٌ يخيفني سكوتُه لعله فارق الحياة،
الحياة التي أعيشها هي المللُ وأنظر إلى البعيد وكأني أرمي شباك الصيد في فضاءٍ عائمٍ بالموج والطيور المهاجرة، أرفع كأسي إلى منتصفٍ ما بين شفتي والكأس هوة من الفراغ لعين وتردد مقيت، هي جرعة يا ابن رحيمة أيها النازف من رحم الأهوار وحنجرة أبٍ لا يعرف من الطرب غير النواح
هي جرعةٌ وتقفل حساب الربح والخسارة وتستريح
لا يستهويك منظرُ الطيور
وتطرب حبنا للحياة، إنها على وشك للحظة تخفقُ جناحي وتحلق بعيدًا
وتحسّ بالوحدة، وتصفق يداك ندمًا ويجفّ عرق الكأس ،ويبقى جرحُك ينزفُ حيرة وشكوى لمن،
لا مغيثَ ولا مجيبَ، الشوارع نسيتْ أقدام الحفاة عقوقًا باعتِ الرفقَ بحفنةِ حصى لترقعَ جيبَ الأيام التي حفرتها أقدام الراحلين البابُ مشرع للريحِ وقميصُ عاشقةٍ يلوحُ من بعيدٍ لهم أرمد من نسيم الصيف والصباح رماد يتساقط مثل ورقِ الشجرِ اليابسِ تذرّه الريح في كل صوبٍ لا جهةَ مصابٍ عينه برمدٍ الاترى بصيصَ ضوءِ الجنوب الذي سكنَ قلبَ الغريب.
أسمع قلبي يعوي مثل قاربٍ وحيدٍ وسط الأهوار متسع جفه القحطُ وحقدُ الانسان منذ أعوام يعوي بحنجرة هجرها الماءُ وطفحَ سمكٌ على جفافٍ يرقصُ مذبوحًا، من ندمٍ لأنه فارقَ هواه، ياقلبي لمن كلّ هذا وأمامك من ينقذك جرعةً واحدةً من سمٍّ مثلج بكأسٍ وتنتهي رحلة الخذلان