قريبا سيصل القطار

محمد بروحو
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد بروحو 

وصل قائد حرس المنطقة الثانية إلى محطة القطار، بمعية سرب من معاونيه، الذين أدوا التحية ومشوا وراءه بخطى ثابتة، في خط مستقيم واحدا تلو الآخر.

وامْتُقِعَ وجه الرجل، وهو يتطلع باندهاش وسهوم إلى حشد وافر من المسافرين، الذين تزاحموا داخل ساحة المحطة، وقدام باب الخروج إلى الأرصفة، بشكل لافت للنظر.

و فعلا؛ لم يعد هناك مكان فارغ، فقد غاصت وازدحمت ساحة المحطة، برهط المسافرين بقدر لا يطاق. وكان قد وُكِّل قائد حرس المنطقة الثانية و معاونيه، أن ييسر ويبسط ولوج المسافرين إلى الأرصفة آمنين، حيث تتوقف القطارات.

لذا تبادر إلى ذهن الرجل، وهو يرى بثبات وتماسك هذه الجموع الغفيرة، البحث عن وسيلة ناجعة، تقي وتحرص على عدم حدوث كارثة، وتساعد على انسياب جموع المسافرين، دونما ازدحام وتدافع، أو مشاحنة ومشاجرة، كما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات.

وحدج بعينين ثاقبتين تلك الساعة المعلقة على جدار المحطة، فبدت هامدة ساكنة، و لم يعد يفصل عن وصول القطار غير ساعات قليلة.

ولكنه كان قد شاهد مسافرين وقد اضطجعوا فوق كراسي، من خشب بمتوسد من برنز، وهم يغطون في نومهم. يحلمون بسفر ميمون. ثبتت بعض من تلك الكراسي وسط ساحة المحطة، في حين رصت كراسي أخرى غيرها ملاصقة للجدران.

لكن هناك مسافرون آخرون ظلوا واقفين يثرثرون. وقد اُرْتُسِمَ على وجوههم المكفهرة، ضجر وضيق لا يطاقان، بسبب ما أحدثه في نفوس الرجال تأخر القطار.

وأما الآخرون فظلوا ينظرون ويبحلقون، في وجوه بعضهم البعض في شده وشرود، كمن أصابه سأم وضجر. بينما انشغل بعض منهم يلوكون ما وُضِع من لقم في أفواه متحركة.

ولكن الجميع؛ بدوا على أهبة الاستعداد للسفر، وقد عوينت حقائب السفر، إما محمولة على أكتاف متعبة أنهكها ملل الانتظار، أو مكومة على الأرض بشكل فوضوي.

وكان حقا مشهدا مثيرا يوحي بالشفقة والرأفة، على تلك الجموع من المسافرين، وكأنما حدث مفجع أدركهم في غفلة من الزمن، أو كأنه نزوح جماعي إلى أرض رَخَاء، حيث الخصب والنماء، هو ما دفع بهذه الثلة إلى الهجرة والارتحال.

ولم يكن في حقيقة الأمر غير مناسبة دينية أليفة، ألف الناس قضاءها بين أهليهم وذويهم. وحيثما يوسع في مثل هذه المناسبات، لَمَّ حشد هائل كهذا من المسافرين.

وغدا الجميع يستعجلون الرحيل، إما لقرى مجاورة لا تبعد إلا بأميال قليلة، أو لمدن بعيدة بمسافات طويلة. لكن مع تأخر القطار ازداد حشد المسافرين وتوافدهم، وقد مرت الآن ست ساعات كاملة؛ على الموعد المحدد لقدوم القطار ولم يرى له أثر.

ويحدث تزاحم و تناغص، عند فتح باب الخروج إلى الأرصفة،كما يجري في مباراة لكرة القدم، و الحرص على حقائب السفر إبان الولوج إلى الأرصفة أمر قاهر غالب، وكثير منها يُدْهَسُ بالأقدام، كما يدوس النَّوْرَجُ أعواد قمح محصودٍ. وعلى هذا النحو؛ كانت تسير الأمور عادة في محطة القطارات.

وتساءل بعض المسافرين عن سبب تأخر القطار، وهم ينظرون في وجوه بعضهم البعض، ولما أتت إشارة من مكبر الصوت، ران صمت رهيب.

و عُلِم أن ساعة قدوم القطار قد حانت، لكن المسافرين، كانوا قد سمعوا رجلا بدينا يقول: ” سيعلن عن وصول القطار، وكررها بعض المسافرين وراءه”.

وحينها سُمِعَ صوت عبر مكبر الصوت، يعلن من جديد عن تأخر القطار. وحينذاك عاد المسافرون إلى صخبهم وضجرهم، بينما انزويت في ركن قصي من المحطة، ألوك ما وضع في فمي من طعام. بينما بدا قائد الحرس شاردا منزعجا، ينظر هنا وهناك برتابة معهودة.

 

 

 

مقالات من نفس القسم