د. نجوى غنيم
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تسافر فيها خارج البلاد، لقد سافرت ما يزيد على خمسين مرة، وكلّ مرة كانت تحرص على الذهاب إلى دولة لم تزرها من قبل، ربما زارت دول أوروبا كلّها وعددًا كبيرًا من الولايات الأمريكيّة وقسمًا من دول شرق آسيا، لكن كانت فرنسا الدولة الأحب إلى قلبها، وبالأخص العاصمة الفرنسيّة باريس أو كما يحلو لها أن تقولها “باغي”، ولعلّ فرحها الأكبر كان في التقاط الصور، ولكنّك لا يمكن أن تحدّد سبب ولعها بالتصوير هل هو توثيق واستعادة ذكريات أم مباهاة وتفاخر .
في جلساتها مع زميلاتها تدّعي أن ّ التصوير فن وإبداع ونظرة إلى الأمور من وجهة نظر مختلفة، لكنّها كانت تصور كلّ حدث من أحداث حياتها، وتحرص على تصوير الآخرين أيضًا وهي تردّد أغنية عبد الحليم حافظ “صورة صورة صورة كلّنا كده عايزين صورة، صورة صورة صورة تحت الراية المنصورة”…
ليس مهمًا ما يقوله الآخرون عنها، فهي لا تأبه لأحاديثهم، المهم أنّها في فرنسا بلد الجمال والرقي والهدوء.. ستزور الأماكن السياحيّة وتفعل ما يحلو لها وستصوّر صورًا وترسل بفيديوهاتها إلى صديقاتها ومعارفها، وستنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ تقريرًا يوميًّا مرفقًا بالصور.
زارت برج ايفل وحرصت على التقاط الصور بجانبه، وتوجّهت إلى متحف اللوفر الذي يعتبر جزءًا هامًا من التكوين السياحيّ والحضاريّ لفرنسا بما يحويه من قطع فنيّة مميزة وقطع أثريّة ومصنوعات يدويّة كالمومياوات المصريّة والبرونز الكلاسيكيّ، وتجوّلت في شارع الشانزليزيه فهي من عشاق الأناقة والموضة ولا ترتدي إلاّ من أشهر الماركات العالميّة، تناولت الطعام في أرقى المطاعم، وذهبت إلى حديقة بولينا الواقعة في قلب العاصمة الفرنسيّة، وحرصت على التوجه إلى مدينة يورو ديزني الفرنسيّة لتلهو بالألعاب الترفيهيّة، ولم تنس زيارة كتدرائيّة شارتر التي تحتوي على مجموعة من النوافذ المصنوعة من الزجاج الملون، ولا قصر بابيس أضخم وأكبر القصور، ولا قوس النصر الذي يتميّز بهندسته الدقيقة.. ولا تسل عن فرحتها في “منتجع شاموني” في جبال الألب حيت لعبت ومارست التزلج على الجليد.. وفي كلّ مكان أنفقت مبالغ طائلة وتصوّرت ونشرت صورها عبر مواقع التواصل .. وحالما عادت من السفر جلست بالقرب من مدفأتها في بيتها الفاخر تتناول مشروبًا ساخنًا، وأخذت تراقب عبر الفيسبوك ما أرسله الأصدقاء من أخبار وصور، واستغرقت ساعة في مطالعة هاتفها الجوال تتغيّر ملامح وجهها تبعًا للأخبار التي تقرأها فتارة تبتسم وتارة تعبس، إلى أن توقّفت أمام صورة لأجساد متجمّدة بلا مأوى وبدون بطانيات وألبسة صوفيّة ووقود للتدفئة، تعيش ظروفًا قاسية مزرية في مخيمات لا تتوافر فيها الشروط الصحيّة ولا الغذاء ولا مياه الشرب، صورة تعكس معاناة الزمن وقسوة العمر.
أصابتها حالة من الجمود، واجتاحها صمت غريب رغم كلّ الأنين والصراخ المنبعث من الصورة، أتلمّح أم تصرّح؟ أتعبّر أم تصمت؟ وبعد لحظات وضعت صورة لإحدى المخيمات في موقع التواصل الاجتماعيّ واكتفت بتعقيب موجز ” أعانهم الله وفرّج عنهم”، وراحت تردّد: “صوّر يا زمان يا زمان صوّر يا زمان.”