أوسكار وايلد
ترجمة: ناصر الحلواني
وكان هناك صمت في بيت الدينونة، وحضر الإنسان عاريا أمام الرب.
فتح الرب كتاب حياة الإنسان.
قال الرب للإنسان: “كانت حياتك شرا، فيها أبديت الغلظة لمن كانوا في حاجة إلى الغوث، ولمن التمسوا العون كنت قاسي القلب. ناداك الفقراء، فلم تصغي لهم، وصمَّت أذنك عن صرخات المعذَّبين، وأخذت لنفسك ميراث اليتامى، وأطلقت الثعالب في حقول جيرانك. أخذت خبز الأطفال وألقيت به إلى الكلاب لتأكله، وبنيَّ المجذومون، الذين كانوا يحيون في الأرض السبِخَة في سلام ويقدسون اسمي، قدتهم إلى الطرق، وعلى أرضي التي جعلتها لهم أرقت دماء بريئة”.
وأجاب الإنسان قائلا: “كل هذا فعلت”.
ومرة أخرى فتح الرب كتاب حياة الإنسان.
وقال الرب للإنسان: “كانت حياتك شرا، الجمال التي أبديتُ سعيتَ أنت له، والخير الذي أخفيتُ تجاهلته. جعلتُ على جدران بيتي صورا، ومن فوق فراش فُحشك تقوم إلى صوت النايات. أقمت سبعة مذابح للخطايا التي تُرتكب في حقي، وأكلتَ ما لا يؤكل، وأرجوان ثوبك مزخرف بعلامات العار الثلاثة. أصنامك ليست من ذهب أو فضة فتبقى، وإنما من لحم فتموت. ضمخت شعرهن بالعطر، ووضعت في أيديهن ثمار الرمَّان. صبغت أقدامهن بالزعفران، وفرشت أمامهن البُسُط. وبالكحل صبغت رموشهن، ودهنت أجسادهن بمسحوق المُرِّ، وانحنيت إلى الأرض أمامهن، وركزت عرش أصنامك في الشمس. فأظهرت للشمس عارك، وللقمر جنونك”.
وأجاب الإنسان قائلا: “كل هذا فعلت”.
ومرة ثالثة، فتح الرب كتاب حياة الإنسان.
وقال الرب للإنسان: “شرا كانت حياتك، وبالشر قابلت الخير، وبالاعتداء قابلت الإحسان. اليد التي أطعمتك جرحتها، والثدي الذي مصصته ازدريته، من أتاك بالماء أذهبته عطشانا، والهاربون من القانون، الذين خبأوك في خيماتهم في الليل، غدرت بهم قبل الفجر. أعداؤك الذين عفوا عنك كمنت لهم في الدغل، وصديقك الذي صاحبك بعته بثمن، ومن جلبوا إليك الحب، في المقابل لم تعطهم غير الشهوة”.
وأجاب الإنسان قائلا: “كل هذا فعلت”.
أغلق الرب كتاب حياة الإنسان، قال: “يقينا، سألقي بك إلى الجحيم. وفي الجحيم سألقي بك”.
وصرخ الإنسان: “أنت لا تقدر”.
وقال الرب للإنسان: “لماذا لا أقدر على أن ألقي بك إلى الجحيم، ولأي سبب؟”
“لأني في الجحيم دوما عشت”، أجاب الإنسان.
وبعد برهة، تحدث الرب، وقال للإنسان: “حيث أني لن أرسل بك إلى الجحيم، فالمؤكد أنني سأرسل بك إلى الفردوس. وإلى الفردوس أرسل بك”.
وصرخ الإنسان: “أنت لا تقدر”.
وقال الرب للإنسان: “لماذا لا أقدر أن أرسل بك إلى الفردوس، ولأي سبب؟”
“لأنني أبدا، ولا في أي مكان، استطعت أن أتخيله”، أجاب الرجل.
وكان صمت، يعمُّ بيت الدينونة.