حسني حسن
ولأنه المستنير، فقد صار البوذا تلميذاً لتلميذه. ثبت نظرته، المستطلعة المستفهمة والمتحيرة، على شفتي أناندا، المضمومتين بقسوة غريبة، ثم غامر، أخيراً، بالسؤال:
– وماذا بعد، يا تلميذي ومعلمي؟
بقي أناندا صامتاً، ربما عبر القرون بقي صامتاً عازفاً عن الجواب، لكنه لقي نفسه، هذه المرة، راغباً في تلقين المستنير درساً لا يُنسى. همس:
– خمسة وعشرون قرناً رحت تعلمنا، خلالها، درس كف السؤال عن الما بعد أيها الخالد، والآن صرت تلح فيه، تصر عليه، فما الذي تعنيه بذلك؟ لماذا خيانة الوصايا والتعاليم؟ أم تُراك هرمت فصار يجري عليك ما يجري على البشر الفانين من أمثالي؟!
كان البوذا يود لو يفرد ساقيه المتصالبتين، منذ زمن بعيد، في جلسته المعهودة علي شكل زهرة اللوتس، و ظل يحلم بأن يمد قدميه، الخشنتين المتشققتين، بمواجهة محدثه. لكن، ولكونه معلماً سابقاً؛ المعلم السابق لكل المعلمين، فقد تحامل على نفسه، ولم يجرؤ على فعلها بحضرة معلمه الشاب. نعم، وكما قال أناندا، لقد كان الجوتاما الساكياموني قادراً على خيانة الوصايا، على الغدر بالتعاليم كلها، إلا إساءة الأدب بحضرة المعلمين.
– صدقت يا أناندا، لقد هرمتُ. لكنك أنتَ لا تزال شاباً.
– وهل توهمتَ، حقاً، أنك ستغدو خالداً، أيها الخالد؟
أطرق المستنير صامتاً لدقائق راح وجهه المنطفئ يستعيد خلالها ألق الحياة، رويداً، فيما شمس آخر النهار تجرجر، فوق صفحة ذلك الوجه الحنطي، سحابات نور خفيف أخاذ. زفر بحزن:
– لعلي توهمت أيها المعلم الشاب!
– ثم؟
سأل أناندا بعجلة، وبصبر يوشك على النفاد، صبر الشباب الضيق الباتر كممر جبلي خطر يطل على هاوية لا قرار لها.
– وهل يمكن، برأيك، تدارك الأمر يا معلمي الشاب؟ أو بمقدروي، بعد كل تلك القرون، تعلم درس التحرر من وهم التحرر؟ أو حتى درس التحرر من وهم التعلم؟
– سيكون ما نريد أيها البوذا العجوز، سيكون ما نريد.
أجاب الشاب، وهو يرسل إلى الأفق الشفقي بنظرة ظفر ذاهلة غائمة، قبل أن يستدرك بصوت عميق صادر عن البعيد الذي يسكنه:
– شريطة أن نكون نحن ما نريد، أيها المعلم الأعظم!