شيماء زايد
المقاعد الأمامية تمنحك مساحات أفضل للرؤية.. تندمج كليًّا مع العرض، وتصير جزءًا منه، المسرح مصيدة صفراء تستهوي الهاموش والفراشات سواء بسواء، مغرٍ للجميع كقطعة حلوى صعبة المنال مجهولة المصدر، لا يحاول أن يتتبعها أحد داخل المصانع الموبوءة، الجميع يحظون بالعرض ولا يتوقفون عن التطلع لفرصة في الصفوف الأولى.. المسرح يضج بالفوضى.. يتشقلبون داخل المساحة المسموحة، تصدح أصواتهم بالغناء، وتجلجل الحناجر.. “يسترك هات حبه بقرش” والقرش صار بسارايا نافقة يتلقفها السمك الأزرق، “الليلة الكبيرة” وكل الليالي كبيرة.
“والعالم كتيرة” بسطاء ومثقفون ومدعون.. نساء ورجال وشيوخ وأطفال يجيدون التصفيق والتهليل والاعتراض والصمت كثيرًا جدًّا يحترفون الصمت..
أرضية المسرح اللميع تتسع للجميع، تحتضن مشاعرهم المضطربة كميدان عام، وينتشون بملامسة سطحها من حين لآخر، بينما زنبركات أقدامهم تدفعهم لأعلى، ويحلقون داخل ساحة العرض – ما بين دفتي الستار- دون قيد.
الأراجوز الصغير كان يظهر برهة من حين لآخر يصرخ في الجمع انظروا إلى أعلى، فكانوا يزجرونه بنظرات عابرة ويواصلون الهرج..
الأرجواز الذي خفت صوته، وابتلعته الكواليس مر كأن لم يكن، تناسوا هتافه بقلوب راضية.. فوق أرؤسهم ألوان، وأضواء، وعلم مكرر كزينة، يحمل هوية معلقة، ويعجز عن الرفرفة.. في الأعلى قليلًا، خارج دائرة الرؤية ثمة قفازات سوداء تغطي كفيها ذات الأصابع الطويلة، وحتى الرسغ تراقب كل شيء بابتسامة رضا.. بينما تقبض جيدًا على مرابط الخيوط، تمنحهم وقتًا مستقطعًا من الحرية كي لا يتمردوا ويمزقوا روابط التحكم.. فليهنؤوا بتذوق التجربة دون شبع، ولتنعم دائمًا باستمرار العرض. المشهد العلوي لامرأة في منتصف العمر شاهقة البياض بشعر مصبوغ بالأسود، تقف من حيث لا يراها أحد.. ولا يود رؤيتها أحد.. وسلة معلقة من الأرجوزات المكبلة بقيود شفافة..
وليكتف الجميع بمتابعة العرض.
“زحمة يا ولداه.. كام عيل تاه”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من محموعة “جرعات حارة” الصادرة مؤخرًا عن دار نون