ودٌّ واعتراف وتقدير بين ألبير كامو وأستاذه لوي جيرمان

ألبير كامو
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 ترجمة: سعيد بوخليط

حينما فاز ألبير كامو بجائزة نوبل، بعث برسالة شكر إلى أستاذه لوي جيرمان :

   19 نونبر 1957

عزيزي السيد جيرمان، 

لقد انتظرت حتى يتوارى نسبيا الضجيج الذي أحاط بي طيلة هذه الأيام، كي أستطيع مخاطبتك قليلا بكل مايختلج قلبي.

 حظيت مؤخرا بشرف عظيم للغاية،لم أبحث عنه أو توسلته.ماإن علمت بالخبر،ومنذ الوهلة الأولى،اتجه تفكيري بعد أمي،إلى حضرتكم.

فلولاكم،وتلك اليد العطوفة التي بسطتموها نحو الطفل الفقير الذي كنتُه،ودون تبلور إرشادكم،وتكريس نموذجكم، لم يكن في وسعي أبدا  تحقيق ماحققتُه حاليا.

لاأبالغ،في تقديري هذا،غير أنه سياق يمثل على الأقل مناسبة كي أخبركم عن القيمة التي جسدتموها بالنسبة إلي،ولازلتم دائما.ثم ضرورة استحضار ماقدمتوه لنا،من مجهودات وتفان وفؤاد سخي،حقائق تظل تلازم أحد تلامذتكم الصغار،الذي لن يتوقف رغم العمر بكونه تلميذكم الذي يعترف بفضلكم دائما.

أعانقكم  بحرارة.

ألبير كامو

***

       جواب السيد جيرمان على رسالة تلميذه  كامو

   30أبريل 1959

صغيري العزيز،

لاأعرف كيف أعبر لكَ عن السعادة التي غمرتني نتيجة مبادرتكَ اللطيفة ولا أيضا الطريقة اللائقة كي أشكركَ.إن أمكنني،فسأشد بقوة على يدي الشاب الكبير مثلما تجسده حاليا وسيظل دائما بالنسبة إلي :”صغيري كامو”.

من هو كامو؟أشعر بأن الذين يسعون اكتشاف طبيعة شخصيتكَ لن يتمكنوا من غايتهم تلك على الوجه الأكمل.فقد أظهرتَ دائما حياء فطريا يخبر عن  ذاتكَ،وعواطفكَ.وتكشف عن ذلك بشكل أفضل وأنت بسيط،ومباشر. فضلا عن ذلك؟راكمتُ تجليات هذه الانطباعات، داخل الفصل الدراسي.فالمربي المتطلع نحو القيام بواجبه بكل نزاهة لن يخلف موعد أيّ مناسبة ويبدي حضورا مستمرا بهدف اكتشاف تلامذته،أبنائه.جواب، سلوك، موقف، أشياء من هذا القبيل تعتبر ملهمة جدا.أعتقد بأني استوعبتُ جيدا الصبي الظريف مثلما عكستَه آنذاك، وكذا الطفل،الذي ينطوي غالبا،على بذرة رجل المستقبل.كانت سعادتكَ بتواجدكَ داخل حجرة الدراسة،تشع من جميع الجوانب.ملأ وجهكَ التفاؤل.

لم أكتشف الوضعية الحقيقية لأسرتكَ،سوى حينما قدمت عندي والدتكَ من أجل التماس  إدراج اسمكَ ضمن لائحة المرشحين للحصول على المنحة الدراسية.إنها ذات اللحظة التي ستغادرني خلالها. قبل ذلك، ظننتكَ تتمتع بنفس وضعية أصدقائك،بحيث تمتلكُ ماكنتَ في حاجة إليه.ارتديتَ مثل أخيكَ لباسك أنيقا.أحس بأني عاجز عن ذكر ثناء يجدر بصنيع والدتكَ.

تابعتُ دون توقف عناوين مؤلفات كرست مضامينها لكَ أو تحدثت عنكَ. أشعر بسرور غامر حينما ألاحظ بأن شهرتكَ(حقيقة لاغبار عليها)لم تغيِّر شخصيتكَ،بالتالي حافظتَ على كامو : ممتاز.

أيضا، عاينتُ بشغف التعديلات الطارئة لمشاهد النص المسرحي : ‘الممسوسون”.مسرحية  أعددتَ اقتباسها. أحبكَ كثيرا وأتمنى لكَ النجاح العظيم الذي تستحقه. بدوره، يرغب أندريه مالرو، في أن يقترح عليك مسرحية.أعلم بأنه شغف يسكنكَ،لكن،هل ستتمكن فعلا من إنجاز مختلف تلك الأنشطة.وأخشى عليك من الإفراط في الاشتغال.واسمحْ في هذا الإطار،لصديقكَ القديم الإدلاء بملاحظة مفادها،أنكَ تحظى بزوجة ظريفة وطفلين، في حاجة إلى زوج وأب.سأخبركَ في هذا الإطار بما كان يقوله لنا مدير المدرسة العليا. شخص غلبت عليه القسوة، في تصورنا،مما خلق عائقا كي نرى ونتلمس فعليا،حبه لنا. يقول :”تمسكُ الطبيعة كتابا ضخما أدرجت بدقة بين ثنايا صفحاته مختلف التجاوزات التي تقترفونها”.أعترف بأن هذا الرأي الحكيم أمسكني  مرارا وأرشدني حينما يتربص بي النسيان.إذن،حاول أن تحافظ على بياض صفحتكَ المخصصة لكَ ضمن كتاب الطبيعة الكبير.

لقد ذ كَّرني أندريه،أننا شاهدناكَ واستمعنا إليكَ من خلال برنامج أدبي عرضه التلفيزيون،انصب موضوعه على مسرحية الممسوسين.تأثرت وأنا أتابعكَ تجيب على الأسئلة المطروحة.لحظتها،راودتني رغما عني،تلك الملاحظة الساخرة،بأن لاتشك بخصوص واقعة أني استطعت أخيرا رؤيتكَ والإصغاء إليكَ.فسحة عوضت قليلا غيابكَ عن الجزائر،وقد افتقدناكَ مدة ليست بالقصيرة.   

قبل الإنهاء،أريد أن أخبركَ عن الألم الذي يعتصرني باعتباري مدرسا لائكيا،حيال المشاريع المتوعدة المتآمرة ضد مدرستنا. أعتقد، بأني احترمت على امتداد فترة مساري المهني، ماهو أكثر قداسة لدى الطفل :حقه في البحث عن حقيقته الخاصة. لقد أحببتكم جميعا، بالتالي لاأشك في مدى قيامي بكل ماأمكنني القيام به حتى لاأجهر بأفكاري وأضغط ضمنيا على ذكائكم الفتي.حينما تعلق الأمر بإشكالية الله(ضمن البرنامج الدراسي)،أكدت لكم حينها بأن هناك من يؤمن بوجوده،في حين لايؤمن به آخرون. ولكل فرد مطلق الحرية كي يفعل مايريده.أيضا،بالنسبة للمحور المتعلق بالأديان،اكتفيت بالإشارة إلى الديانات الموجودة،وقد انتمى إليها من  استهوتهم.وأضيف لكي يتسم قولي بالصدق،بأن هناك أشخاص لايقيمون وزنا لأي دين.أعلم بأنها حقيقة لاتعجب الذين يرغبون في تحويل المدرِّسين إلى مجرد باعة متجولين للدين،أساسا الدين المسيحي لكي أكون دقيقا.

اضطر أبي وباقي رفاقه الأساتذة، خلال حقبة انتمائهم إلى منظومة المدرسة العليا بالجزائر(الموجودة عند منتزه غالان)، الذهاب كل يوم أحد للقُدّاس وتناول القربان.ذات يوم، وقد أنهكه هذا الإكراه، بادر إلى وضع القربان”المقدس”بين طيات كتاب القداس وأغلقه !أخذ مدير المدرسة خبرا بما فعله أبي فلم يتردد في طرده.هذا مايصبو إليه حقا مناصرو”المدرسة الحرة”(حر، يعني بالنسبة إليهم، أن نفكر على منوال تفكيرهم).  

مع التشكيل الحالي لمجلس النواب،أخشى من أنَّ الأسوأ قادم.لقد أخبرتنا جريدة”لوكنار أونشيني ”،بأنه في أحد الأقاليم،زينت مئات الحجرات المدرسية جدرانها بصليب.أرى في هذا الأسلوب محاولة مقيتة ضد وعيي الأطفال.فكيف سيصبح الوضع بعد حقبة معينة؟تأملات من هذا القبيل،تحزنني بعمق.

اعلمْ،مع غياب رسائلي،ينصب تفكيري باستمرار نحوكم جميعا.

أبعث لكم أنا وزوجتي السيدة جيرمان،قبلة كبيرة.

إليكم محبتي.

  ……………………..

*المرجع :

 La Compagnie Affable : le 1 octobre 2015

 

 

     

مقالات من نفس القسم