بقايا ذكريات

ثم نولد من جديد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ياسمين الخولي 

عزيزي البعيد جدًا، تحية طيبة وبعد..

تبقى الذكريات، تلك التي نمزِّقُها بنهاية كل يومٍ علي أمل النسيان ثم نستيقظ لنجدها قد التحمت من جديد.. تمامًا كما تبقى آثار الأحداث في الصور الممزقة، تلك التي مزقناها توقًا إلى إنكار وقوع أحداثها! تبقى الأحداث في آثار الحواف المجتزأة من الصورة أو في تجاويفها الفارغة مبهمة المعاني.. أو في بقاياها التي نسينا أن نمحي وجودها الشاهد على وجود ما حذفناه.. تبقى كعلامات الاستفهام العالقة ببقايا الصور المهترئة! هكذا تبقى الذكريات.. آثارًا لا تبلى كلما حاولنا تشويهها تأملنا تلك الآثار ثم وقفنا علي حافة الحزن ناظرين إلي حفرته العميقة المظلمة خائفين من السقوط..

وحين تسكن عواصف مشاعرنا وتتجلى الحقائق في غياب الوهم.. يغمرنا الاستسلام بغتةً.. فنستسلم للسقوط بكامل إرادتنا.. نسقط تغمرنا جاذبيةٌ لا نميز حينها إن كانت جاذبية السقوط الحر أم أنها قوة ابتلاع الظلام!

نسقط حتى نفيق على حقيقة أخرى أننا أبدًا لا نرتطم!
نسقط كصندوقٍ ممتلئٍ لآخره بمشاعر تحمل في طياتها كل المتناقضات!
قد لا تبكي فقدًا ما لشهورٍ طويلة ولكنك لن تتوقف عن الارتجاف.. ذلك الارتجاف المكلل بالذهول!
ذلك الارتجاف الذي يمنعك من أن تكمل ذكرى واحدة جمعتك بهم لنهايتها، وكأنك تخاف زوال تلك الذكرى من عقلك لمجرد اتمام استحضارها!
ذلك الارتجاف الذي يمنعك حتى من أن تتم استدعاء واقعة الفقد ذاتها!
تحذفها كما تحذف كل ما أردت إنكاره من أجزاء الصور.. فلا تتمكن من تجاوز الحدود الفاصلة بين الحياة والموت!
تظل هناك عالقًا في تلك الصورة الغامضة المشوشة.. دون تقهقر أو تقدم!
وكأنه الزمن قد أصيب بعطبٍ يمنعه الحراك أو بلعنةٍ تقيده بالشلل!

لَفْظٌ رَحِميٌّ يجعل منك شخصًا دائم التيه حتى وإن كنت تمر بأجمل لحظات حياتك.. وإن كنت في أزهى عصورك.. وإن كنت كهلًا تحصي ما تبقى لك من أيامٍ قلائل تفصلك عن موعدك القديم مع الموت!
تظل تائهًا تيه المغترب إلى أراضٍ لا تدرك فيها متكئًا يتحمل ثقل نفسك!

أراضٍ لا تجد فيها ملجئًا يطمئنك بأن لك مكان ما بداخله في حال ضاقت بك الأماكن ولفظتك الحياة بقسوتها المعتادة..

للفقد وجهٌ بشع لا تُنسى ملامحه، ورغم أننا نتوقع الفقد دون توقفٍ عن تصور حدوثه وبالأخص مع أولئك الذين نتمنى عدم فقدانهم أبدًا، إلا أن الفقد يزور خيالنا بحلةٍ كاملةٍ أنيقة تخفي الكثير من حقيقته، ولكنه لحظة أن يقرر الحضور بواقعنا فإنه يظهر مجردًا من حُلّته الأنيقة.. عارٍ تمامًا كما ولدته الأقدار.. لا يُستر من حقيقته شئ.. ولا يُختزل من تكوينه شئ.. ربما أرحل يومًا إلى الماضي بملء إرادتي! لحظة أن تخفت صورة حاضري فتتشابه درجات اللون الرمادي بالصور.. ويتشابه الزمن.. ويتشابه الفقد!

مودتي.. وكل السلام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية
من (ثم نولد من جديد) يصدر قريبًا عن دار الهالة للنشر 

مقالات من نفس القسم