عبد العزيز دياب
لم يعرف أنه في لحظة ما سيكون في مواجهة حادة مع بنسيون اسمه “إيفانوفيتش”
اسم غريب حقًا يحتاج إلى التأمل، لو بحث في الأمر سيكتشف أنه لصاحبته “روزا إيفانوفيتش”، أو “ناتاشا إيفانوفيتش”، أو أي اسم منسوب إلى إيفانوفيتش.
الرجل أخذته شوارع وسط القاهرة، أو القاهرة الخديوية، ولا يمتلك رفاهية البحث في غرابة هذا الاسم مع الصدمة العنيفة التي تلقتها نظرته للواقف بالشرفة، شخص يشبهه تمامًا، أعطى ظهره للشارع، تكتسي صلعته بكاسكيت فيراني يتناسب تمامًا مع لون قميصه الكاروهات.
أجبرته الصدمة بشكل مباشر وسريع ومرتجف أن يتأمل ذاته، ذاته الحيية المسالمة المنغلقة على نفسها، نفس الصلعة المتينة المباركة، نفس الكاسكيت، القميص الكاروهات.
لم يهتز صخب الشارع لتلك الثنائية الغامضة لرجل يخطو على الرصيف ويقف بشرفة بنسيون إيفانوفيتش في الوقت ذاته، لازالت السيارات تزمجر، الباعة يلهجون بأصناف بضائعهم، والشرطي يصرخ تارة ويطلق صفارته تارة أخرى.
تلفت الرجل، مسح مفردات الشارع حوله وبدأ المسير متجاوزًا غرابة اسم إيفانوفيتش، وغرابة شبيهه الواقف بالشرفة، لكن بائعة مناديل ورقية أوقفته، أشارت إلى شرفة الفندق، إشارتها كانت خاطفة، تلقفه بائع جرائد، جاء بعده بائع روايات رعب يفترش بها الرصيف، وأحد المشاة بالشارع، وامرأة هبطت لتوها من تاكسي أجرة، وراكب موتوسيكل، وبنت خليعة، وشاب تتدلى لحيته المباركة، وشرطي المرور، وبواب عمارة، كلهم أغلقوا أمامه الطريق وأشاروا إلى الشرفة، كأنهم قالوا: انظر ها هي أصبحت خالية.
غادرها شبيهه وتناهى من داخل البنسيون صوت مشاجرة عنيفة، الرهط الذين حاوطوا رجل الشارع دفعوه إلى مدخل البناية، صعد الدرج وجمهرة البشر خلفه، كانت المشاجرة تزداد ضراوة، تطايرت أكواب وزجاجات وأطباق، تجاوزت مدخل النسيون بالطابق الثاني، كان صوت شَبِيهَه في باحة البنسيون فاحشًا، كان في ثورة عارمة ويحتاج إلى شخص يُرَوّدَه.
رجل الشارع دخل البنسيون وارتدت الكتلة البشرية، هبطت ترقب المشهد عن كثب، بعد لحظات من وقوفهم بالشارع انطفأت ثورة شبيهه بداخل البنسيون، أعقبها صمت تام، هبط رجل الشارع مبتسمًا كأنه لم يكن هناك شيء، سأل عن غرابة اسم إيفانوفيتش، إلى أية لغة ينتمي.
واصل طريقه يقرأ واجهات المحلات، تابعته نظرات الكتلة البشرية، لم يبتعد كثيرًا عندما انفرط منه شبيهه/رجل الشرفة، نفس الصلعة والكاسكيت والقميص الكاروهات، ابتعد عنه لمسافة وانحرف إلى شارع جانبي.