فيل أزرق.. باهت

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 36
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العبادي

أثبت “الفيل الأزرق2” نجاحه التجاري بعدما كسر رقم أعلى الإيرادات في تاريخ السينما المصرية، وحصل الفيلم على الكثير من المدح من مشاهديه خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، فرفعوه إلى مصاف الأفلام العالمية، واعتبره البعض أول – أو أنجح – فيلم رعب في السينما المصرية والعربية.

لكن لا يصح أن يعمينا النجاح التجاري المبهر والدعاية اللامعة عن تحليل تجربة الفيل الأزرق السينمائية بشكل حيادي.

فعبر تحليل المكونات الفنية للفيلم بالتفصيل، نستطيع أن نكون فكرة أكثر جدية عن قيمته الفنية الحقيقية، وليس مجرد المضي في ركب المدح الكبير، المدح الذي قد يتبخر بعد عدة شهور أو أسابيع، حسب طبيعة السوق.

الاسم الأهم في قائمة صناع الفيلم هو بالتأكيد المخرج: مروان حامد، يظل مروان حامد صاحب صورة متميزة، من الممكن أن نصنفه كـ”مخرج صورة”، إذ نلاحظ أن الإبهار بصورة الفيلم بمستوياتها المختلفة هو نقطة الاهتمام الأساسية لمروان في أفلامه، حتى لو جاء ذلك على حساب الحكاية التي تعرضها هذه الصورة.

هنا يبدو مروان أكثر نضجاً في التعامل مع الصورة، لم يلهث خلف الإبهار المجاني بلا مبرر حقيقي – كما حدث في أفلام سابقة له – فنجد أنه استطاع بالاشتراك مع مدير التصوير المتميز أحمد المرسي أن يطور شكلا بصريا مميزا للفيلم، فالمشاهد الواعي سيلاحظ أن هناك فرقاً نوعياً بين “الباليتة” اللونية المستخدمة في تصوير مناطق الفيلم المختلفة، بين صورة هادئة، تكاد تكون باهتة، في مشاهد الحياة الواقعية في الفيلم، وصورة مشبعة بالألوان والإبهار الزائدين في مشاهد الأحلام وهلاوس حبوب “الفيل الأزرق”.

نفس الفرق يظهر في مونتاج أحمد حافظ، بين إيقاع هادئ أقرب للملل في مشاهد الواقع وإيقاع مجنون وسريع حد اللهاث في مشاهد الأحلام، بشكل عام تظهر مشاهد الأحلام والهلاوس، وكأنها الفرصة الحقيقية لمروان حامد ليضع كل البهارات والتوابل المبهرة التي يحبها على الفيلم، فيتجاوز أحياناً الحد المقبول من البهرجة، ويبقى لي أن أتساءل عن المبرر: هل غرام مروان الدائم بالبهرجة الزائدة في الصورة هو جزء أساسي من رؤيته السينمائية؟.. أم أن الأمر لا يغدو كونه حيلة لجذب أكبر قدر ممكن من الجمهور؟.. وخصوصا من المراهقين اللذين ينجذبون لبهارات السينما كما ينجذبون لبهارات الوجبات السريعة.

أداء الممثلين كان على مستوى مناسب لطبيعة العمل، فمعظم الشخصيات هنا لا تحتاج إلى أداء خارق للعادة، لكن يحمد لمروان حامد دوماً قدرته على التعامل مع النجوم والممثلين.

كريم عبد العزيز أدى شخصية “يحيى” بشكل جيد، كامتداد لأدائه في الجزء الأول، كذلك نيللي كريم التي كانت في مهمة سهلة مع مساحة صغيرة نسبيا لشخصية لبنى، ورغم إن لبنى قد تبدو لأول وهلة شخصية صعبة ومعقدة، إلا أنها في الحقيقة مجرد شخصية مسطحة أخرى كمعظم شخصيات الفيلم، إياد نصار سيئ الحظ دوما مع مروان حامد، فرغم تمتعه بقدرات تمثيلية عالية إلا أنه محصور في شخصية محدودة خالية من ملامح التميز، فشخصية الدكتور أكرم لا تحتاج حقا لممثل ذي قدرات، مجرد شخصية تقليدية دورها ملء المساحة ونقل الأحداث، ربما كان يستطيع أداءها أي رجل متوسط العمر يرتدي نظارة.

هند صبري هي الرقم المختلف في معادلة التمثيل هنا، شخصية فريدة هي الشخصية الجديدة الخارجة عن نطاق عالم الجزء الأول، ومن الممكن اعتبارها الشخصية الأكثر عمقا وتفصيلا، وهي المحرك الأساسي للأحداث، إذا تابعنا آراء المشاهدين عن أداء هند صبري تحديدا سنجد تباينا في الآراء، بين من يعتبره أداء رائعا وعالمي المستوى، وبينما من يعتبره باهتا لا يرقى لمستوى أداء خالد الصاوي في الجزء الأول، في رأيي أن هذا الجدل ليس سببه أداء هند نفسه.. بل سببه هو أكبر نقطة ضعف في هذا الفيلم: السيناريو.. وهو ما سنعود له بالتفصيل.

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 37

ظلم السيناريو هند صبري حين وضعها في مقارنة غير مقصودة طول الوقت مع أداء خالد الصاوي في الجزء الأول.. جاءت هذه المقارنة لأن شخصيتها ببساطة هي أقرب لمجرد نسخة أنثوية لشخصية “شريف الكردي” في الجزء الأول. أداء هند للشخصية في المطلق هو أداء مميز يستحق المدح.. لكن ما قلل من تقدير أداءها هو أسبقية خالد الصاوي في أداء شخصية شريف “الطازجة” في الجزء الأول.. حيث كانت الشخصية جديدة على المشاهدين ومليئة بالغموض.. بينما شخصية “فريدة” مكشوفة للمشاهد منذ البداية.. غموضها مكرر ومصطنع فلا يبهر ولا يغني من جوع.

ربما يكون اللوم الأكبر على هند صبري هو عدم استعدادها الجسدي للشخصية.. فبدا وزنها زائدا وغير ملائم لشخصية “ملكة الغجر”.. خصوصا مع الأزياء التي صممتها ناهد نصر الله للشخصية.

على ذكر الملابس تأتي الفرصة للحديث عن العوامل المساعدة في بناء صورة الفيلم.. ملابس ناهد نصر الله لا تحتاج لإشادة، فهي مدعومة بتاريخ طويل من الأعمال الناجحة والمميزة، كذلك الديكور الذي جاء مكملا لرؤية المخرج، هادئ ومنطفئ في الحياة الواقعية، مزركش وغرائبي في الأحلام.

أما موسيقى هشام نزيه فهي أهم من اعتبارها مجرد عامل مساعد.. بالتأكيد هي عامل أساسي في نجاح الفيلم، هي ليست موسيقى “مصاحبة” للحدث، بل هي “مشاركة” في صناعته، موسيقى مستوحاة من ثقافات متعددة. ومفعمة بإيقاعات غرائبية، نجحت في جذب المشاهدين ورفع درجة تفاعلهم مع الفيلم إلى أقصى درجة، يمكننا القول إن السيطرة الكبيرة للموسيقى هنا نجحت في “التغطية” على المشاكل الفنية في المكونات الأخرى للفيلم، سواء على مستوى الصورة والإيقاع، أو على مستوى نقطة الضعف الأكبر في الفيلم: السيناريو.

رغم أن موسيقى الفيلم في معظمها كانت امتداداً لموسيقى الجزء الأول، إلا أن نزيه نجح في تقديمها بشكل جديد ومختلف، وأضافت الأغنية الأمازيغية انطباعا جديدا ومختلفا ونجحت كعامل جذب منذ ظهورها في دعاية الفيلم، خاصة لفئة المراهقين الباحثين دوما عن الغريب المبهر.

تبقى نقطة الضعف الكبرى في هذا الفيلم هي السيناريو، فلم ينجح التمثيل والإخراج وكل البهارات المضافة في الصورة في التغطية على عيوب سيناريو أحمد مراد المتهالك.

ربما يمكن أن نفتح المجال لصورة أوسع لنعتبر أن سيناريوهات أحمد مراد دوما هي الحلقة الأضعف في كل الأفلام الناتجة عن التعاون بين الثنائي حامد ومراد، دوما تعاني سيناريوهات مراد من تفكك الحبكة وغياب البناء الجيد للشخصيات والدوافع والأحداث وتهافت النهايات و…، قد يدهشك هذا لأول وهلة.. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن مراد هو كاتب روائي في الأساس.. لكن تزول الدهشة حين نكتشف أن نفس هذه المشاكل موجودة أيضا في قلب رواياته.. وفي مقدمتها: الفيل الأزرق…

لكن يزيد الأمر سوءا في هذا الفيلم بسبب الاستسهال الشديد في بناء السيناريو ليبدو مجرد نسخة باهتة من سيناريو الجزء الأول، الشخصيات والأحداث في الجزء الثاني هي مجرد إعادة كتابة لمثيلاتها في الجزء الأول، فبدلا من شريف جاءت فريدة، واندمجت شخصية الدكتورة صفاء(لبلبة) مع شخصية الدكتور سامح زيدان (محمد ممدوح) في الجزء الأول لينتج لنا الدكتور أكرم رياض (إياد نصار)

يمضى معنا الاستسهال للأحداث التي لا تبعد كثيرا عن أحداث الجزء الأول، فيستطيع المشاهد الفطن أن يستنتج أحداث الفيلم بمجرد تذكر الجزء الأول!

وتأتي النهاية لتزيد الطين بلة، فربما كان من أهم المميزات الشحيحة في سيناريو الجزء الأول هو تغيير نهاية الفيلم عن نهاية الرواية، فجاءت نهاية الجزء الأول أكثر جودة وتماسكا من نهاية الرواية، لكن يأبى أحمد مراد إلا أن يفسد ما أصلحه من قبل، فيستخدم نهاية الرواية كنهاية للجزء الثاني.. لتأتي نهاية رخيصة ومبتذلة.. ربما قصد بها أن يضمن نجاحا تجاريا بفتح الباب أمام جزء ثالث للفيلم.. لكن للأسف حتى على هذا المستوى فشلت نهايته.. فقتلت التشويق بدلا من أن تزيده.. وضيقت أفق التوقعات للجزء الثالث في ذهن المشاهد.

رغم أن الجزء الأول من الفيل الأزرق كان نقلة نوعية في صناعة السينما المصرية، فتحت آفاقا جديدة للإنتاج وأثرت في ذائقة مشاهد السينما.. لكن الجزء الثاني رغم نجاحه التقني والتجاري إلا أنه لم يتعد كونه مجرد نسخة باهتة من الجزء الأول.

حديث صناعة السينما المصرية حديث ذو شجون.. يحتاج إلى مقال خاص لمناقشته.. لكن عرض فيلم مثل “الفيل الأزرق” هو فرصة لتوضيح أهم مشاكل السينما.. فمثل هذا الفيلم الذي من المفترض أن يكون “أكبر إنتاج” و”أعلى إيرادات” يعري لنا حقيقة صناعة السينما المصرية.. التي تستمر في الضعف بمضي الوقت.. لتبدو كمجرد ظل باهت وفقير للسينما الأمريكية التجارية.

مقالات من نفس القسم