أحمد علي عكة
قرأت للطاهر الشرقاوي من قبل رواية “فانيليا” ، والتي اعتبرها من أهم ماقرأت من الروايات في حياتي وبعيدا عن اللغة والتراكيب والصياغة وطريقة التناول أظن أن أهم مايتميز به الطاهر في رواياته أمران: الأول هو الفكرة، فالفكرة التي يتناولها في نصوصه أظن انه لم يتناولها غيره من قبل، في “فانيليا” كانت البنت التي تخلع حذائها وتضعه تحت ذراعها وتسير على الرصيف وهي منتشية بالسير حافية القدمين على الرصيف.
وفي رواية “عن الذي يربي حجرا في بيته” نجد الفكرة أكثر تميزا عن سابقتها، فالشخصية الرئيسة في الرواية يهوى تربية الأحجار في بيته فنجده يتعامل معها كما لو أنها شريكته في الحياة يتحدث إليها وتتحدث إليه يهاجمها وينتقدها بل ويفكر في طردها في بعض الأحيان.
الأمر الثاني هو الحالة التي يصدرها النص عند الطاهر شرقاوي للقارئ حيث يجعلك تعيش في حالة الرواية لفترة من الزمان تختلف من شخص لآخر كما أنها تفتح لك عوالم آخرى ويجعلك تعيد تقييم رؤيتك للأشياء نتيجة طرح الطاهر لرؤية آخرى غير واقعية لكنه يجعلك تتعايش معها على أنها منطقية مائة بالمائة.
وقفت كثيرا أمام عنوان الرواية “عن الذي يربي حجرا في بيته” فالعنوان خطفني للوهلة الأولى وأظن انه موفق لدرجة بعيدة جدا ، بل ومختلف أيضا ، كما انه يعبر عما تريد الرواية أن تقوله للقارئ لكنه في النهاية يطرح تساؤلات لدى من يقرأه للمرة الأولى لايجد الإجابة عنها إلا من خلال الرواية نفسها ، كما أن العنوان يشبه كثيرا عناوين القصائد النثرية الحداثية.
الترميز بالنسبة للشخصيات الثانوية في الرواية من خلال الإشارة لهذه الشخصيات على أنها (س)فنجد (س)جاري ، (س) صديقتي الأولى ، (س) صديقي ، و (س) صديقتي الثانية ، هذا الترميز أظن انه أضاف كثيرا للنص لأنه أعطى شيئا من الغموض على هذه الشخصيات كما انه يجعل القارئ حاضر الذهن لأنه يسعى للتمييز بين الشخصيات الثانوية ليس من الاسم ولكن من الإضافة للحرف (س).
هناك العديد من الشخصيات التي توقفت أمامها في الرواية من هذه الشخصيات جاره (س) الذي يخرج ليلا ليسب في الحكومة ، أهم مايميز هذه الشخصية أن الكاتب لم يعط القارئ كل تفاصيلها بل أعطى له مجرد مفتاح لها وجعل للقارئ الحرية في رسم معالم الشخصية والأسباب التي أدت به إلى هذه الحالة التي تصيبه من حين لآخر وسبه للحكومة.
شخصية “رجل البوابة” من الشخصيات التي توقفت أمامها أيضا لأنها تجعلك أمام شخص يظهر على فترات متباعدة له طقوس معينة، حيث نقل لي الكاتب توتره تجاه الشخصية ووضع افتراضات لمن يكون هذا الرجل كما انه يكاد يكون الشخصية الوحيدة بعد سيرين الذي لم يتم الإشارة إليه بالحرف (س)
الطاهر شرقاوي جعلني أشعر أن مخاطبة البطل للحجر ورد الحجر عليه،وكل هذه العلاقة التي نسجها بطريقة أكثر من رائعة ماهي إلا أمرا طبيعيا جدا وليس أمرا خياليا مائة بالمائة.
ستظل رواية “عن الذي يربي حجرا في بيته” من أهم ماقرأت في حياتي ، وسيظل الطاهر شرقاوي ليس نجم شباك للرواية في مصر لكنه صاحب الشباك.