عبد الرحمن أقريش
الشارع…
مدينة الرباط، حي يعقوب المنصور.
الأصيل، يوم من أيام يوليو الحارة.
مالت الشمس نحو المغيب، فقدت حرارتها، توارت أشعتها خلف البنايات العالية، واستعادت المدينة حركيتها المسائية تدريجيا.
يمشي الشاب الزنجي بخطى رياضية واثقة، يطوق فتاته بذراعه في حركة قوية، يمتزج فيها الحرص والتباهي بالرغبة في التملك…
بدا أنيقا، مهيمنا، وواثقا تماما من نفسه.
على امتداد الرصيف تنتشر بشكل فوضوي تجارة ملونة، بضائع مهربة من كل نوع، عطور، ملابس، أحذية رياضية، نظارات شمسية، علب شاي، مراهم، منشطات، علك، ألواح شكولاتة، وأشياء أخرى مشبوهة…
على بعد خطوات من الشارع تجلس عصابة من الشباب يفترشون الأرض، يمتصون بالتناوب دخان لفافات محشوة، بدا منظرهم منسجما، عفويا ومتناغما تماما، وضعيات جسدية مريحة، قمصان صيفية مفتوحة، سراويل جينز ضيقة، تسريحات على الموضة…
أضاءت المصابيح، غرقت المدينة في طوفان من الكهرباء، فبدا الشارع أنيقا ومشرقا، ينظر الشاب جهة الجماعة، يلتفت مزهوا ثم يمضي، تلحقه التعليقات من الخلف، تعليقات عنصرية وساخرة تشير إلى التناقض بين ملامحه الجنوبية وبين بشرتها الحليبية الصافية.
انخرط الشباب في لعبتهم المفضلة، صياح، صفير، تصفيقات، وارتدادات ضحك هستيري، لعبة تمتزج فيها السخرية بالتحرش والقسوة المجانية.
– أشنو هذا؟ (ما هذا؟)
– شكون هاذو؟ (من هؤلاء؟)
– عنترة بن شداد…
– وهي؟
– عبلة بنت مالك…
يرفع زعيمهم سبابته، يسود الصمت للحظات، يحرك يده اليمنى في الهواء في حركات متناغمة وكأنه مايسترو يسير جوقة من العازفين.
ثم بأصوات نشاز حاد، ينخرطون في غناء منفلت وساخر.
– واهيا الأولاد.
– أنا وحدي نضوي البلاد.
– واااهيا الأولاد…
…
– ليلي طويل ما عندو نهاية.
– ليلي طويييل ماعندو نهاية.
–دمعي يسيل.
–من شوقي وهوايا.
–قلبي عليل.
–ما لقيت دوايا.
…
يدفع الشاب فتاته برفق، يخطوان خطوات إلى الأمام، ثم يتوقفان، تتوقف هي دون أن تستدير إلى الخلف، تنظر أمامها واجمة، تنقر الأرض بحذائها بعصبية، فقد استشعرت بغريزة الأنثى ردة فعله العنيفة، يعود هو أدراجه خطوات إلى الوراء، يقف أمام الجماعة مباشرة، غاضبا، منتصبا، متحديا بجسده القوي، يفك حزام سرواله الرياضي، ينزله إلى الأسفل في حركة هادئة، يرسم على وجهه ابتسامة متشنجة، ثم ينظر إليهم طويلا نظرة تحد واحتقار.
تحت وقع الصدمة، أصيب الشباب بالذهول والشلل، توقفت قهقهاتهم فجأة، لاذوا بالصمت، صمت رهيب…
بقي هو هناك واقفا للحظات، جامدا، متوثبا، ويده اليسرى تمسك متاعه الأسود المخيف.
ثم أخيرا، عندما قرأ الهزيمة في عيونهم، مضى منتصرا.
أمسكت الفتاة ذراعه، دفعها بحركة رفيقة ومشيا بعيدا.
بدت هادئة، محرجة قليلا، ولكنها كانت سعيدة.