كنتُ غاضبة منك، ثم قرأتُ ما كتبتُ خلال العام، وابتسمت ، تذكرت كم أنت رائع وكم أنا طفلة، كم كنت حنون وكم كنتُ مجنونة فعلًا، أنا امرأة مهووسة تمامًا ، أغلب الأشياء أو علها كلها تحمل النقيضين معًا ، وأنت ثابت في الأرض ، كوتدٍ ، كجذورٍ متغلغلة في الأرض ، كجبلٍ لا يهتز .
كنتُ غاضبة، ومر العام في رأسي ورأيتُ خط يدك، قرأتُ ما كتبت لي فابتسمت وقلتُ “يا لخطك السيء” تذكرتك، وأنت متجل أمامي كاملًا لا نقصان فيك، منهمك في الكتابة ، تحاول أن تقبض على الحرف لئلا تفر منك، وأنا أحاول أن أقبض على الوقت لئلا يفر مني ، أن أقبض على اللحظة ، أوقفها تمامًا، أحفظها عن ظهر قلب، أنك هنا أمامي ، ما من شريك لك ، وأنني لحظي السعيد أشاركك اللحظة .
كنت غاضبة منك، ثم تذكرت المرات الكثيرة التي كنت فزعة فيها ، خائفة ، قلقة ، مضطربة ، وجاء صوتك دافئًا ، هادئًا ، حنوناً من أقصى بقاع الأرض ليطمئنني ، بكل حب ، تذكرت تكرار الأمر لأيام متواصلة دون ملل منك .
تذكرت وأدركت كم أنا حمقاء لغضبي منك و كم كنت يائسة في محاولات البعد عنك ، تذكرت وأدركت كم أفتقدك وكم توغلت بلطف داخلي .
كنت غاضبة منك فعلًا، وتذكرت المرات التي لا تعد على اليدين التي اختلفنا فيها، المرات التي قررنا أنها النهاية فعلًا، ثم وبدون إدراك كنا نعود ، كنت غاضبة فعلًا صدقني ،ثم تذكرت سعادتي الطفولية عندما رأيتك ، تذكرت نحيبي في آخر مرة التقينا ، تذكرت تعلقي برقبتك ، يدي دون دراية مني وهي تقبض على يدك فأخذت في البكاء .
كنت غاضبة ، صدقني ،وشعرت بالحقد عليك ، ثم تذكرت أنك رويت لي قصة لأنام ، تذكرت أني طفلتك وصغيرتك ، تذكرت أني غضبت منك كثيرًا كثيرًا ولا أذكر الآن لماذا ؟ ، تذكرت أني أحبك ، فغضبت أكثر ، ثم تذكرت أني أحبك أكثر فهدأت ، ثم شعرت أني افتقدك فملأت عيني الدموع ، وتذكرت أنك نائم فحقدتُ عليك ، ثم تذكرت أنك مُتعب فاشفقت عليك ،ونسيت غضبي وحقدي ، وأردتُ أن أمسح على رأسك ، فتذكرت أنك لست هنا فغضبت ، ثم تذكرت أنني لم أكن لأصدق أن نصل إلى هنا فابتسمت ، فأردتُ أن أقبلك طويلًا ، ولم أجدك فغضبت مرة أخرى ، ثم أفكر أن علي أن أنهي الجدال الطويل وأن علي أن أطفيء الشوق داخلي ، فأجد أن الشوق لن يخمد
وأن حبي لم يتوقف ، وأن غضبي لم يهدأ ، وأنني امرأة كاللهب وأنك هاديء ، هاديء كنسيم ربيعي ، فأعرف في قرارة نفسي أن هذا سيستمر طويلًا ، وأنك غارق لا محالة في اشتعالي ، وأنني يومًا ما ، سأقتلك .
كنتُ غاضبة منك، أقسم لك ! ولا أذكر الآن شيء سوى أنك نائم ، وأنني أريد التسلل لأحلامك وأن ” أحرس نومك من شوكة حاسدة “
أنت نائم ،وأنا نسيتُ غضبي وأفكر في طريقة مُجدية تجعلني أحلم بك ، أو أن نتلاقى كلانا في نفس الحلم وكأنه موعد مسبق وفي اليوم التالي نكون قد احتفظنا بذات التفاصيل معًا .
سأكرر اسمك عشر مرات وأتذكر آخر مرة التقينا بها – لتكون البداية .
كنت غاضبة منك ، ولو قلت أي شيء أي شيء ، كنتُ سأصفو في ذات اللحظة ، وأنا أذكر نفسي الآن بذلك بأنني كنت غاضبة منك لأنني ” بلا ولا شي ” صفوت ، ولأنني صباحًا بمجرد أن تقول “صباح الفل ” سابتسم ابتسامة عريضة وأنسى أنني كنتُ غاضبة منك .
كنتُ غاضبة منك ، وابتسمتُ بلا سبب ، ثم تذكرت أن ” منك ” ، تعني أنت ، وأنه .. أنت .. أنت ، ولا أحد سواك ، فابتسمت لأنه أنت ، ولأنني ابتسم بسبب أي شيء يخصك ، وإن كان حرف .. فقط ! لأنه عائد عليك أنت .
كنتُ غاضبة منك ، فأخذتُ أكتب وأكتب وكلما كتبت أحببت ما كتبت لأنه عنك ولك ، وكلما كتبت رأيت ما لا أرى ، وأنني لستُ عالقة بك ولا أنك متوغل بي ، لقد نمَوتَ داخلي ، لا كطفلٍ لا كمرضٍ ، بل كحياةٍ ابتدأت بك ولك .
كنتُ غاضبة منك ، ثم تذكرت المسافة بين كتفك ورقبتك وأنني يوماً ما في لحظة ما ، سكنتُ هناك وأن هناك أمانًا أخترق قلبي وروحي ، وأنني ذُهلتُ من حضورك وكدتُ أقطع يدي من عطرك .
كنتُ غاضبة منك ، وشردت بفكري وتساءلت كيف لرجل أن يفعل هذا بامرأة ؟ لا ، كيف لرجل أن يفعل هذا بي ؟ ثم تذكرتُ نظرتك لي ، فاهتز قلبي وارتعد ، فأجد أن ما من خلاص من الأسئلة وما من نهاية معك إلا ولها بداية بك ، وأنني كلما عثرت على سؤال كنت أنت الإجابة ، فكيف إذا كنت السؤال نفسه ؟ وكيف إن كانت كل الإجابات منقوصة وأنت الكمال الوحيد .
وشردتُ أكثر ووجدت أنك دائرتي وخطي المستقيم، وأن الحياة فعلًا لا تستقيم بدونك ، وكل الدوائر لا مخرج منها إلا بمفتاحك .
.
كنت غاضبة منك ، وسأغضب كثيرًا على الأرجح ، وسأنسى دائمًا لم فعلت ، لكني سأذكر للأبد أن بفضلك تأكدت أن فعلًا لي قلب ، وأنه يا للمفاجأة يعمل! وأن شفتي ليستا لتزين وجهي فقط، وأن يديك أعادت رسم حدود جسدي .
كنت غاضبة منك ، كنت كذلك جدًا ، حتى أنني بكيتُ ، كنتُ لمدة عام كلما غضبت أتساءل كيف يمكنني أن أغضب من أحد ثم أظل أحبه ؟ أريدُ أن أراه ؟ وكيف يتحول الغضب في لحظة لشعورٍ بالحنان ؟ أو كيف يختفي تماماً وكأنه لم يوجد ، يا لمعجزاتك !
كنت غاضبة وكنتُ ، لكني الآن أريد أن أراك ، أخبئك داخلي ، أغفو عليك كحلمٍ ولايهم أن أصحو .
كنتُ غاضبة فعلاً ؟
لا أذكر أني فعلت .