أبو الفتوح
كان القصف على أشده.. الأشلاء تتطاير في كل مكان.. نظرة ليس لها مثيل في عينيه.. تتأرجح بين الإصرار و الذهول.
زارته في الحلم بالأمس.. ابتسامة صاحبته من النوم إلى اليقظة.. عندما فتح عينيه كانت لا تزال أمامه.. زرقاء بخطين من الأبيض.. لها ثلاث عجلات، و جرس كان يتباهى به عندما مر وسط الشارع، و هو لا يتوقف عن رنِّه.
لن يطلبها من أمه ثانية.. أخبرته أن أبيه سوف يأتي له بدراجة أجمل من كل دراجات المدينة.. دراجة تُضيء ليلا، و تتطاير منها الأشرطة الحمراء عندما يبدِّل مسرعا.
عضلات ساقيه مشدودة.. كجزعين أبديين.. و أصابع قدميه تضغط الأرض، و كأنها تريد أن تتحوَّل إلى جذور.
كان على يقين أنه سوف يبدِّل سريعا.. أسرع من أي ولد في المدينة.. حتى أن الدراجة سوف ترتفع في الهواء كل حين.. و أن أبيه سوف يأتي حاملا إياها بيد واحدة.. رأى ذلك في الحلم.. يد سمراء قوية.. يُنزلها أمامه على الأرض.. ثم يرفعه بذات اليد فوقها.
ذراعاه تستميتان على المدفع الآلي الذي يطلق الرصاص في دفقات.
تلك النجوم لامعة… كجرس دراجتي..
خشب النافذة قوي… كذراع أبي..
أتلمَّس أبي بذراع، و أنام على الأخرى؛ لأرى أجراس دراجات كثيرة.. سوف أرن أحدها قريبا.
توقف القصف.. صوت عويل الهواء يدور: “هل من جسد يشقني نصفين؟.. هل من جسد يحمل عني رائحة الدماء؟”..
ولا زال يردد إلى الآن.