صراع وجودى فى رأسى

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 13
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صفاء النجار

فى الليل لا يستطيع ضوء النجوم تشتيت الماء المتجمع فى انتظار مزيد من البرد كى يتخلص من عبئه من ذنبه كى يغسل نفسه قبل أن يطهر كل شىء.

لماذا تخافين منا.. تتهربين.. تبحثين عما لا تحتاجينه ضرورة، وقد لا تستخدمينه.. تفتحين أبوابا تقودك لساحات، ومدارج، تصعدين للسحب التى كل لحظة بحال، تتابعين قدومها من خلف غابة الأشجار، تراهنين متى ستصل آخر سحابة فى الموكب الرمادى إلى حافة المبنى الطوبى، تعيد السحب تشكيل صفحة السماء، تأكل ما يتبقى من ضوء الشمس، وأنتِ تراقبين، تشغلين عينيك دوما بما تريانه، تدفعينهما دفعا للتحديق فيما هو بعيد، فيما ذاهب، فيما هو قادم، تدفعينهما لأقصى مدى، للحافة البرتقالية المنزلقة فى الديمومة.

فى الليل لا يستطيع ضوء النجوم، تشتيت الماء المتجمع فى انتظار مزيد من البرد كى يتخلص من عبئه، من ذنبه، كى يغسل نفسه قبل أن يطهر كل شىء، وقبل أن ينتهى المشهد تستولدين مشهدا جديدا وتتساءلين: هل تنجذب السحب إلى مناطق الضغط المنخفض أم مناطق الضغط المرتفع؟، دائرة جديدة تدفعين نفسك فيها للتفكير، للتشاغل عنا، كى تخرسى أصواتنا، لكن زخّات المطر توقف خطوطك.. هل ستتجهين للنافذة كى ترصدى إذا ما كان المطر مصريا حانيا، أم أوروبيا هاطلا كالسيل؟.. لن نستطيع أن نمنعك من التسحب للمطبخ والتحجج بفنجان النسكافيه، لكن ما يثير السخرية.. أن تصبح رغبتك فى التدفئة مثار انشغال عميق يأكلنا نحن المعلقين على مشجب أفكارك.. هل تشربين النسكافيه بلاك؟، أم مع اللبن؟، بسكر أم بدون؟، ماذا لو أضفت معلقة كاكاو خام، تشغلين الكاتيل أو تمسكين الكنكة؟، ما زال المج فى يدك، تفكرين فى الجنزبيل مع القرفة والشاى الأخضر.. أصابنا الضجر وصار حالنا كحال التفاحات الثلاث التى قرأت قصتها فى كتاب الأساطير الصينية «أنا القمر». بقيت ثلاث تفاحات على الشجرة، نسيها الجميع هناك حتى أصابها العطب ذات يوم. عصفت الريح، فأطاحت بالتفاحات التى سقطت فوق بعضها متدافعة بالمناكب متنابزة بالألقاب.. فزاد العطب. ذهبت التفاحات الثلاث تحتكم لطائر لكى يفصل بينها، نظر الطائر مليًا ثم قال: «كيف لى أن أقضى بينكن وأنا لا أعرف ماذا حدث ولا سبب الشجار؟ كل ما أراه أمامى هو أنكن جميعا فاسدات معطوبات. لا فضل لواحدة على الأخرى، وكلما حمى القتال بينكن زاد الفساد والعطب!».

تتساءلين عن علاقتنا بالتفاحات الثلاث.. وأنا أسألك أى علاقة لنا بالشبكات العصبية؟ أى علاقة لنا بالعادات الثابتة الخاطئة؟ ما علاقتنا بفيلم swiss army man؟ أى علاقة لنا بأن كل الفضائيات تقدم برامج طبخ ولا توجد برامج عن الفن التشكيلى أو التذوق الموسيقى؟ وأن حلمات التذوق فى لسان «عمرو أديب» لا تعرف غير طعم «الزبدة»؟ وما حكاية اهتمامك المفاجئ برجيم الآيس الكريم؟.

أنت تراوغين.. أنت جبانة.. تحتمين بأدوارك المتعددة، لكننا نحذرك، لن نترك وجودنا وماهيتنا وهويتنا فى عقل كسولة مثلك، سنتبخر، ونتكثف فى خيال آخر، عقل يجذبنا.. تعرفين قانون الجذب.. وأن من يرد شيئًا يجده. لكنك لا تريدين وجودنا، تشاغلك يبدد وجودنا ونحن نريد أن نظهر، أن نعرف.

وداعًا.. أيتها المنهكة، المبددة للطاقة.

صفااااااااء

ألا تلتفتين إلينا؟ ألن تلقى علينا نظرة وداع؟، نحن الآن على الطاولة، كل العيون والأيدى ممدودة إلينا، تفحصنا، تختبرنا، تتساءل عن ماهيتنا، تصدر أحكامًا وتقدر قيمًا.. وأنت تقفين على الرصيف المقابل.

صفاءءءءءء

فى أى شىء تفكرين؟ تعالى، انتبهى. انتبه… أنت.

مقالات من نفس القسم