محاولة أخيرة للإرتقاء

محاولة أخيرة للإرتقاء
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد عامر

أعلى التبة ينتظرني، والحبل يتدلي من السماء!!والرجل– متلفتة يميناً ويساراً– ينادي بصرخة تجرح الحلق والصدر.

أخاف أن أدخن الحشيش أو أن أشرب الكُحُلّ، هل خوفي سببه ألم المرض؟ أم ألم الكوابيس والأحلام؟

" ستنفخ في التصاوير من روحك حتى ينقطع نفسك"

لا أعرف كيف أخلق موسيقى. لم أنم، أتلمس الموجودات بعينين متألمتين، أبتسم للصداع الذي يتملك رأسي: لن تسطيع – مثلي –أن تفعل شيئا لي.

وقبلة طويلة – في انفصال مكتمل – بين فتى وفتاة.

أرفع عينيّ متلمسا بداية الحبل، هل هو فرع الشجرة؟! الحبل يتأرجح، هواء مشبع برائحة اليود يحاول الهروب من سجن الذاكرة،شمس الظهيرة – تلك الحقيقة التي تخطف بصرك لو أردت رؤيتها بصدق شديد – تحجب البداية!!

أخفض رأسي، محاولا طرد الظلمة التي خلفها الضوء الجارح في عينيّ.

(المجاري في طريقي إلى المنزل، الطفل الذي يأكل من القمامة، مسجد، مشروع حكومي لن يكتمل، بار، كنيسة، المرأة المجنونة التي تنادي على البحر، موجودون دائما، أعرف ذلك مع أنني لم أخطف لحظة من عقلي كي أرهم اليوم)

وموسيقى ناعمة.. موسيقى ناعسة..

لا أميز الأسم الذي ينادي عليه الرجل، البذلة التي يرتديها مهندمة، مفرودة تحت مكواة خبيرة، لكن الذقن نابتة شعثاء، الرأس أصلع، وما بقي من شعيرات يتخللها البياض.

“يكسبون جيدا في الأفراح.”

الحديقة وألوانها تحتضن من يحتاج إلى حضن دافيء، علبة لسجائر محشوة مع الولاعة في جيبي، زجاجة الويسكي المغلقة بيدي.

وضحكة طفل،أبوه يدغدغه، و ..

صرخة الرجل..أتتبعه محاولا ألّا يلاحظني، ياقة قميص البذلة الأبيض متسخة بشدة، حال لونها، أتلمس الأسم، لا ألتقط سوى ( ..تي)، ربما ينادي: ابنتي .. حبيبتي.

(ألقي بعلبة السجائر المغلقة، والولاعة، وزجاجة الويسكي، أجد نفسي في البيت، أبي المريض، أمي تصلي وتدعو لي، أرتمي على السرير المتهالك، يؤلمني ظهري، أتأوه بصوت مكتوم لوهلة، ابتسم، اتشبث بالسرير أكثر، أبي يسعل ربما يقول لي من خلف الباب المغلق:

“ما المشكلة أنك لا تستطيع تعلم العزف أو الرسم؟!”)

و لاعب الكمان كان خلف الشجرة.أجلس على الأرض أستمع، يحمل على كتفه (كمان) غير موجود، ويعزف، وتخرج الألحان متواثبة نحو قلبي!! ينزل يده ببطء، يضع الكمان على رجليه المفرودتين على الأرض، تتوقف الموسيقى، يشرب من زجاجة ويسكي بجانبه مثل التي معي، قاربت على الإنتهاء، يشرد قليلا، يواصل العزف، تُنحت ملامح الرعب في وجهه كمن رأى ملك الموت، يحدق فيّ، ترى هل أدرك أنني اكتشفت سره؟ يحتضن الكمان الوهمي ثم يفر من أمامي، نحو اتجاه مجيئي، أتتبعه حتى يختفي.

أبحث عن الحبل، أبحث عن الرجل الذي يتفقد الضائع منه، تتوه الموجودات، ويرتسم طريق واحد أمامي.

” الله – الشيطان .. الجنة – الجحيم”

أصعد إلى التبة، الحفرة لا زالت تنتظرني، رجليعتليامرأة تتأوه في شبق، ينتهيان، تقبله، تنظر إلى عينيه، تراني، تلملم ملابسها، ينتبه، يجريان نزولا إلى الأسفل يمسك كل منهما بيد الآخر، يضحكان، يكادان أن يسقطا ربما من الإنهاك، وربما من السعادة!

لم أشعر بأى شيء عندما رأيتهما..

(أمسكت بالورقة والقلم، كتبت:

“الأحلام … الكوابيس … فلتتخطفني الصقور قطعا كالجيفة أو … الكلمات..”

أمد يدي، أحاول التشبث بكلمات ربما متناثرة في الهواء، أقطع الورقة، أكورها بيدي، ألقيها على صورتي التي أتسلم بها شهادتي من عميد الجامعة.)

أغلق عليّ باب الصندوق الخشبي في الحفرة، لا أستطيع أن أغلقه جيدا. في فيلم سينمائي، رأيت رجلا يعطي مالا لآخر، مقابل أن يدفنه وهو نائم، لكنني لا أجرأ أن أطلب من أحدهم أن يفعل ذلك، كما أنني لا أملك مالا أعطيه للمجنون الذي سيوافق.

لم أستطع تحمل نفاذ الهواء، دفعت الباب، خرجت.

(أنظر من سريري صوب الباب، ليس مغلقا، أمي تسأل أبي:

” هل جاء؟”

وصلة سعال قوية، أبي يقول:

” أوحشتني الضحكة، والتوهة”

“هل جاء؟”

” لا .. لم أره”)

______________________________________________

قاص من مصر*

مقالات من نفس القسم