قبر العندليب
سعاد سليمان
بعيداً بعيداً..في بلاد منسية موغلة في القسوة، هناك فتاة تخلو من الجمال مثل جبال قريتها، تملك روحاً تهفو إلى المحبة، تمرح مع الموسيقى، تتأرجح أحلامها على حنجرة مطربها الذي صار بالنسبة لها الأهل والأصدقاء والحلم.
لم يمر في خيالها أنها تحبه كرجلٍ، وتمارس معه لعبة العشق،حتى قلبها الصغير الذي ينخلع لكلماته العاطفية الرقيقة، لم يجبرها على أن تتمثل ذلك، فقط هي الكلمات والموسيقى وصوته، يحققون لها المتعة واللذة، بلا اضطرار لأن تغيب في أحلام اليقظة. تقول: كيف أهرب إلى الأحلام والشقاء يطاردني.
هو هواء يمنح رئتي القدرة على التنفس كي تستمر الحياة بحلوها القليل ومرها الكثير، مات..بكته بحرقة، كانت مثار تندُّر العائلة والجيران وكل كائنات القرية الصغيرة،حتى البهائم والطيور ضحكت سخريةً من "عبيطة" تحزن وتقيم الحداد لموت مطرب.
وكان لا بد أن يجئ اليوم الذي لا يكون فيه للغناء طعم. مزقت آخر صورة له على آخر غلاف مجلة كانت تحتفظ بها، وفي ركن خالٍ من الدار-كل الأركان كانت خالية-حفرت قبراً بعمق القهر الذي يسحقها كل يوم،حين تنهش جسدها ذئاب ترتدي وجوهاً بشرية..قبل أن تمنحها قروشاً قليلة..كانت تتحرش بجوعها أكثر من جسدها، نظرت إلى عيونه الحزينة، ابتسامته الصامتة الشاحبة شحوب ألوان الصورة، ضمته إلى صدرها، ابتسمت في مرارة، ثم أرقدته في القبر، وأهالت عليه التراب..ولم تسمع بعده أي غناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة مصرية
من مجموعة "شهوة الملايكة" الصادرة مؤخرًا عن دار روافد