سعد القرش: الأدب فائض محبة للعالم… ويمكن وصف القبح بجمال

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 34
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 عويسحاوره: محمد عويس

يختزن الروائي والقاص المصري سعد القرش في أعماقه غضب الثائر… وهو غضب سرعان ما يذوب بمجرد بدء حوار. لخص القرش رؤيته لأحداث كانون الثاني (يناير) 2011 في كتابيه “الثورة الآن… يوميات من ميدان التحرير”، و”أيام الفايسبوك… مسائل واقعية في عالم افتراضي”. نشر أولى قصصه “لو” في مجلة “إبداع” العام 1988، وتُعد ثلاثيته الروائية “أول النهار”، “ليل أوزير”، “وشم وحيد”، أبرز أعماله الأدبية. حصل على جائزة الطيب صالح في الرواية العربية في دورتها الأولى العام 2011، ونال عن كتاب “سبع سموات”، وهو في أدب الرحلات، جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة من المركز العربي للأدب الجغرافي العام 2009. كما صدرت له مجموعتان قصصيتان هما “مرافئ للرحيل”، و”شجرة الخلد”.

وصدر له أخيرا كتاب “سنة أولى إخوان”، والذي يعترف بأنه كتاب غير محايد لأنه لا يحتمل فكرة الحياد، وإن كان قد حاول تحري الموضوعية وعدم السعي إلى إدانة… “لستُ مشغولا فيه بإطلاق صفات، ولا بتوجيه أصابع الاتهام إلى فرد أو جماعة، وإنما رصد شهادات ووقائع حاولتُ أن تكون موثّقة بالصور، ومنسوبة إلى مصادرها ومعظمهم من الإخوان. وهو كتاب يناهض أشكال العنصرية، ويرفض خطاب الكراهية الموجّه الى المختلفين في الدين أو المذهب، وأعترف فيه بانحيازي إلى المواطن الإنسان أيا كان دينه أو مذهبه، إلى الوطن والمستقبل والعقلانية، إلى أفكار مثالية تؤمن بالخير والعدل والجمال والحرية”. هنا حوار معه:

“سبع سماوات” كتاب يقُص رحلاتك في مصر، الجزائر، العراق، المغرب، هولندا، الهند… يُدرك القارئ من خلاله خفايا الجمال في سردك لهذه الرحلات بلغتك الأدبية لمباشرتها وصراحتها، إلا أن هذه اللغة ممزوجة بالشجن. لماذا؟

ـ لأن المرارة لا تصنع كتابة. ربما تليق بالنُواح. أما الشجن، وأحيانا الغضب، فيعبر عن الرغبة في التغيير والقدرة عليه أيضا، وفي السفر أكتب عن نفسي وعن أماكن، وعن بشر أحببتهم، ولا أكون مضطرا لكتابة إلا ما أشعر به، وأود أن تصل هذه المحبة إلى القارئ لأنني لست موظفا عند الكتابة. عموما الأدب هو فائض محبة للعالم وللبشر وللأماكن التي ينتمي إليها المبدع أو يحبها، حتى عندما وهو يصورها تبدو كأننا نراها للمرة الأولى، كما تبدو الجسور والميادين في أعمال محمد خان أو كمال الشيخ في السينما المصرية مثلا. يمكن المرء أن يكتب عن القبح بجمال شديد، وهذا يُعد تحديا للإبداع عموما.

ما رؤيتك لتوظيف التراث في الرواية؟

ـ التراث موجود في الرواية كاجتهاد فردي ولا يمثل تيارا، لأن مفهوم التراث ليس متفقا عليه، وليس كتلة واحدة. هناك تراث عمل عليه إميل حبيبي، وجمال الغيطاني، ويحيى الطاهر عبدالله، وخيري عبدالجواد، والمغربي الميلودي شغموم، وغيرهم، وكل منهم أخذ من التراث الجانب الذي يستهويه، سواء “ألف ليلة وليلة”، أو التراث الأندلسي أو غيره، حتى أن الباكستاني البريطاني طارق علي في خماسيته عن الإسلام عمل على أكثر من منطقة. ففي روايته “ظلال شجرة الرمان” اختار السنوات التي تلت سقوط الأندلس، وفي روايته “كتاب صلاح الدين” عمل على كتابة جوانب إنسانية في حياة صلاح الدين الأيوبي وعصره.

الجائزة، هل تُساهم في نشر الابداع وتُنشّطه؟

ـ أرى أن جائزة البوكر العربية قد ساهمت في تنشيط الإبداع كتابة ونشرا، ولكنها في بعض جوانبها ذات طابع استشراقي بمعنى أنها تنتقي نوعا من الكتابات يود المستعربون أو المستشرقون أن يكتبوه عنا أو يروه مكتوبا بأقلام عربية ذات روح استشراقية. ربما بعد عشر سنوات لن يتذكر القارئ إلا رواية أو اثنتين من الأعمال الفائزة أو التي تصل إلى القوائم القصيرة، أما الباقي فهو أقرب إلى الموضة التي يسير فيها أعضاء أو بعض لجنة التحكيم خلف الرائج ويتقصون الموضوع لا حرفية كتابة الرواية. ومن المفارقات أن روايتي “أول النهار” كانت في القائمة الطويلة للبوكر في دورتها الأولى (2008)، وفي ما بعد أخبرني أحد أعضاء اللجنة من دون أن أسأله بأن هذا أقصى ما يمكن أن تصل إليه رواية كاتب لا نعرفه، ثم فازت الرواية نفسها بالمركز الأول في الدورة الأولى لجائزة الطيب صالح، ومن حُسن الحظ أن المُحكمين كانوا من السودان والمغرب.

وما تعليقك على جوائز معرض القاهرة للكتاب في دورته الأخيرة؟

ـ لا تستحق الاهتمام. فبدايتها ارتبطت بشراء صمت رؤساء تحرير بعض الصحف. الآن الجسد الفاسد كما هو واللجان الصورية كما هي، ولا توجد أي معايير موضوعية لمنح تلك الجوائز.

في غياب النقد يُستباح الإبداع، ما مدى اتفاقك مع هذه المقولة؟

ـ نعم استباح النقد عددا من الدخلاء، أولهم الأكاديميون الذين يتصورون أن معرفة مُدرس الشعر بقواعد العروض تكفي لكتابة قصيدة، ثم المترجمون الذين عزَّ عليهم الاكتفاء بشرف الترجمة فأمطرونا بأعمال تبدو وكأنها تنتمي إلى عوالم المستشرقين، وكذلك الإعلاميون الذين تفتح لهم شهرتهم في الصحف والفضائيات أبواب دور النشر وقلوب وجيوب المراهقين الباحثين عن نجم.

يرى بعض الكُتاب أن قيام الكاتب بأعمال أخرى إلى جانب الكتابة يُعطل مشروعه الإبداعي، ما تعليقك؟

ـ يصعب على الكاتب في العالم العربي أن يعيش على الكتابة فقط. حتى نجيب محفوظ ويحيى حقي لم يتمكنا من ذلك. الوحيد الذي عاش على ريع أعماله هو توفيق الحكيم. ويمكن الكاتب أن يكون سائق تاكسي أو محاسبا في مصنع أو عاملا… إلخ، ولا يعطله ذلك عن مشروع يؤمن به، ويرى أنه الأهم في حياته. فكرة الإخلاص للكتابة هي في غاية الأهمية للكاتب، وكان عبدالحكيم قاسم في صقيع ألمانيا يمتهن أعمالا قاتلة، ولكنه تمكن هناك من الكتابة بغزارة، وكذلك فعل بهاء طاهر وهو في سويسرا. الإخلاص للكتابة جسَّده أيضا أمل دنقل إلى حد بعيد، وذلك لا يعيب من يكتبون الشعر وقت الفراغ، أو من يكتبون الرواية لأنهم مترجمون أو نقاد!

حاليا تتصدر الرواية المشهد الأدبي، فهل يعني ذلك أنها أصبحت المُعبّر عن أزمات الإنسان العربي؟

ـ الرواية والفنون عموما ليست مُطالبة بعلاج مشاكل آنية، ولا باستعراض أسباب هذه المشاكل، فهذه مهمة السياسي لا المُبدع الذي يُعنى أولا وأخيرا بصمود الإبداع لاختبار الزمن. الإبداع أسمى من التعبير عن مشكلة أو أزمة لأنه يعبر عن جوهر الحياة نفسها، واستطاعت الرواية أن تستوعب الفنون كافة فأصبحت أكثر عمقا منها، وهو ما عاناه د. هـ . لورنس إذ يقول: “أعتبر نفسي لكوني روائيا أرفع شأنا من القديس والعالم والفيلسوف والشاعر؛ فالرواية هي كتاب الحياة الوحيد الوضَّاء”، هذا شأن لورنس، ولو كان لي أن أتمنى شيئا آخر غير كتابة الرواية فهو أن أكون موسيقيا. ولكن كلام لورنس يفسر بقوة تهافت إعلاميين وأكاديميين ونقاد غير متحققين وباحثين في علوم المخطوطات على كتابة الرواية، وكلما أرى رواية لأحدهم أردد قول غاليليو: “ولكنها تدور”!

…………

*نشر في صحيفة “الحياة” ٢٢ أبريل ٢٠١٤

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم