نادين قاسم
تحدثا عن الزفاف المنتظر وكلاهما حماس له. بالطبع يعرفان أنه زفاف مثل باقي حفلات الزفاف بمللها وفقراتها الموحدة المكررة، لكن ما يميزه هو أصحابه، اثنان من أعز أصدقائهما سيتوّجان قصة حبهما بزفاف تحمس له جميع الأصدقاء.
تحدثا عن الألوان والثياب وأخبرها بحماسه لرؤية كل الفتيات الجميلات اللاتي سيحضرن وسخرت منه كالعادة. ولكنه سرعان ما رد لها السخرية أضعافاً مضاعفة عندما أخبرته أن العروس اختارت فستاناً موحداً ترتديه وصيفاتها وكانت هي إحداهن. ستتشارك هي وعدة فتيات أخريات نفس الثوب بنفس التفاصيل! ترى هل سيستطيع تمييزها وسطهن أم سينادي إحداهن ويتفاجأ بأنها ليست هي؟ واستمر في ضحكه وسخريته وأخبرته هي بكرهها للفكرة، لكن العروس أعز صديقاتها لذلك فهي مضطرة لتلبية طلباتها وخصوصاً بيوم زفافها.
أتى اليوم وبقدر ازدحامه بالتفاصيل إلا أنه كان جميلاً. كان الجميع سعداء طوال الوقت. بالرغم من إرهاق الشباب في زفة العريس وزحام المواصلات وإرهاق الفتيات في المكياج وتهدئة العروس والكثير من التفاصيل الأخرى إلا أنهم فرحوا جميعاً برؤيتهما معاً متمنين لهما السعادة الخالصة.
نظرهو واثنان من الرفاق للفتيات وبدأوا في السخرية من تصرفاتهن، وخصوصاً من أولئك اللاتي لم يعرفوهن. رآها وسط الأخريات مرتدية نفس الفستان ونظر لها وضحك فاغتاظت وضحكت هي الأخرى. لا أحد يعرف تحديداً من ابتدع تلك الفكرة بجعل كل صديقات العروس والمقربات منها يرتدين نفس الفستان طوال الوقت.
من ضمن أفكاره الغريبة التي قفزت في دماغه في تلك اللحظة هو مدى تشابه ذلك بمبدأ في العلوم. ينص المبدأ على أنك إذا أردت معرفة تأثيرعامل ما على معادلة أو مسألة عليك بثبيت جميع العوامل الأخرى التي تؤثر في تجربتك كي ترى تأثر العامل الواحد دون أي تشتيت. في تلك الحالة البعيدة تمام البعد عن العلوم وعن المنطق أيضاً بالنسبة له-فهو يرى أن لا ضرر في ترك كل واحدة منهن ترتدي ما يحلو لها- إلا أن اللون الواحد الذي ترتدينه جميعاً ذكره بذلك. ثبّت لون الفستان وتصميمه جميع العوامل الأخرى بالفتيات، لكنه أيضاً شكل تحدياً لأنه أبرز جمال بعض الفتيات وقلل من جمال أخريات بكشفه لعيوب في أجسادهن، أو بعدم تماشيه مع شكل جسم معين أو حتى ملامح وجه. يا للاكتشاف الرائع الذي توصل له! والذي لن يهتم له أصحابه إن أخبرهم عنه أو سيتهمونه بأنه انتهى من سيجارة الحشيش للتو.
وسط الخواطر السابحة في دماغه قفزت صورتها لتلقي بكل الخواطر لأطراف دماغه ثم تجعلها تختفي تماماً كأنها لم توجد. بالطبع كانت جميلة! بالطبع سيخبرها ذلك عند انتهاء الحفل ويغازلها قليلاً كما يفعل دوماً. إنهما أصدقاء منذ فترة ليست بالقصيرة، يفهمان بعضهما وتتحمل هي سخريته الدائمة لأنها رأت ما وراءها ورأت جوانب أخرى فيه جميلة، كما أنه عادة ما يكون على حق في سخريته من شخص أو شيء ما بالرغم من كرهها الاعتراف بذلك.
كانت جميلة وصافية دوماً، هذا هو ما اكتشفه لتوه. أو بالطبع لم يكتشفه في التو إنما هو كامن بداخله منذ فترة، إلا أنه لم يكن قد تبلور بتلك الصورة إلا عندما رآها بذلك الفستان اليوم، واقشعر جسده وانتابته موجة حنان. في السابق كان يضحك من قلبه عندما يحادثها ويرغب في الاحتفاظ بضحكته عند انتهاء الكلام لأطول فترة، ولكن يبدو أن الأمور قد أخذت منحنى جدياً في تلك اللحظة بالذات، وغمره شعور يريد الاحتفاظ به لأطول فترة ممكنة كتلك الابتسامة.
ظهرت ثانية قادمة ناحيته من بعيد، ابتسم لها كعادته كلما أقبلت عليه ولكنه أحس باختلاف الابتسامة تلك المرة وعمق صداها في قلبه. كعادة الكثير من الأشياء التي سخر منها في حياته تقلب الآية وتسخر منه الأشياء نفسها بطريقتها. يسخر منه إسفافه من الفستان ومن الفكرة، لكن يقف بجانبه مبدأ العلوم إياه لينصره أمام الضحك الشديد الذي تضحكه سخريته عليه الآن. عندما تم تثبيت جميع العوامل الأخرى التي تؤثر على التجربة رأى تأثير العامل الواحد وهو الفستان رؤية ساطعة سيأخذ بها براءة اختراع في أوساط المحبين. أبرزها الفستان بطريقته، أبرز جمالها وعذوبتها وسط الأخريات. عرف تأثيرها عليه وعلى قلبه وأحس بشعور رائع يجتاحه.
أخبرها بأنها تبدو جميلة حقاً والفستان رائع عليها، نظرت له نظرة متوقعة لسخريته كما كانت تفعل، لكنه كان جدياً ولم يضحك ويبدأ في السخرية كعادته، بل امتزجت نظرة عينيه بشيء آخرغير الشقاوة التي اعتادت رؤيتها بهما، ستعرف بفطنتها لاحقاً أنه الحب. أما الآن فإنه سيقضي بقية الليلة في النظر والانبهار بنتائج اكتشافه العلمي الرائع والبقاء حوله طوال الوقت خوفاً من أن يصل إليه علماء-رجال-آخرون، ولاحقاً سيخطط لما يجب عليه فعله.
