الحديث عن الثورة من خلالِ معارضتها.
الكثير من الكتاب الجزائريين قديما وحديثا تناولوا وبشكلٍ عميقٍ ومفصل الثورة الجزائرية، سردوا معاناة الشعب أنذاك، مآسي العوائل، وسنوات الاحتلال، رصدوا جرائم الاحتلال وحاكموه أيضا، ومجددا قام الزاوي بإعادة تصوير لعائلة ودشرة في الغرب الجزائري خلال الاحتلال الفرنسي، عائلة ذات أصلٍ موريسكي جاءت هاربة من إيزابيل وفرديناند لتستوطن هنا، جد أول يعود أصله إلى فقيه الخليفة الموحدي أول من ترجم القرآن إلى الأمازيغية، وجدةٌ أولى ذات أصول يهودية.
لقد تناول الزاوي الثورة من عين المعارضة التي مثلها مصالي الحاج عن حزب الشعب، معارضا لحزب جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم للجيش الوطني الذي حمل السلاح وتوجه للجبال، مصالي الحاج هذا الاسم الذي ترك بصمة في التاريخ الجزائري كان عمُ الراوي، عينا عليه ومؤيدا له أثناء تواجده بفرنسا خلال الثورة مما كان سيودي بحياته، وإلى غاية وفاته ودفنه ها هُنا –تلمسان- وما لحق به بعد قراءته للفاتحة على قبره، كذلك موقع رجل الدين من هذه الثورة وتواطئه مع المحتل بصيغة ولي الأمر الذي يجب الأخذ برأيه.
شخصيات الرواية ترصد طبيعة المجتمع وتترك بصمة في ذهن القارئ
رصد الراوي شخصيات كثيرة من حوله، وصفها وترك لها في ذاكرة القارئ ما يميزها، رصد نفسه أيضا، حيث ولد بتاريخ حدثٍ سياسي وطني، يوم انعقاد مؤتمر الصومام، هو الذي سمى نفسه مع من يشتركون معه في ولادتهم بملاجئ على الحدود الجزائرية المغربية، حيث قال (أبناء الظلمة)، أين كان الثوار ينزلون وسط خطة أمنية عالية لملاقاة زوجاتهم وعوائلهم، فيتركون بذرات خصبة خلفهم، هو أيضا من لقبته جدته بـ (بوشطل / البزاق)
شخصيات عدة حبكها الكاتب لتتركَ أثرا أهمها عمته ميمونة/ فاطمة كما سماها زوجها الأول رجل الدين وبكل مواقفها الساخرة مع وضعها ووضع عويشة/عياش، علامة استفهام القرية الذي هرب ليلة زواجه بها، عمه الذي بترت ساقيه بعد زيارته لقبر مصالي الحاج.
إن من يقرأ الرواية يدرك البعد الاجتماعي للمجتمع الجزائري انطلاقا من اختلاطه بالنسب الأندلسي والأمازيغي، إلى طبيعة شريحة ما، ما بين السخرية والبذاءة التي اتصفت به عمته ميمونة مثلا، إلى التقسيم الذي كان عليه المجتمع قبل وبعد ثورة التحريرية الكبرى، بين الجاهدين الذين انضموا إلى صفوف جبهة التحرير الوطني وملبين المعارضة، آخرون توجهوا إلى فرنسا للعمل، وانقسامه بعد الاستقلال إلى عوائل المجاهدين والشهداء و الخونة، الذي ذكر الزاوي لقبهم المتعارف عليه “ابن الحْرْكِي”، أي ابن قواد فرنسا.
هذه حكاية بوشطل بين زمانين، قبل الاستقلال وبعده، بين شخوص كثيرة تكون عائلته ذات الأصول الموريسكية المقيمة في الغرب الجزائري، أين استعمل الكاتب أسماءً ذات مدلول واضح (تامولت، بوشطل، ميمونة، حمديس)، حكاية كما قال عنها مؤلفها ضخت مرة واحدة فجاءت مقتضبة غير مسهبة، خفيفة تؤكل كقطعة واحدة، وتترك آثار شخوصها وأسمائها بين الدلالات الأمازيغية والأندلسية، لتعيش مع القارئ وقتا أطول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة جزائرية