أيها الحب ..

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 فاتنة الغرّة

 ماذا أفعلُ لكَ، أيُّها الحُبُّ حتّى تأتي؟

كيف أُقنعُكَ بأن في هذه الغرفة

 امرأةً تنتظر؟

 

امرأةً تقضي ليلَها أمامَ مرآةٍ صدئةٍ

تتفقّدُ تفاصيلَها المكرمَشة

تُمدِّدُها المُوسيقى

تفتحُ الساحاتُ أسواقًا شعبيّة

حينما تمشي

ويُنصَبُ سِيركٌ، ترقصُ الألوانُ فيه

 

 امرأةٌ لم تتركْ عرَّافًا

أو عرَّافة

شربَتْ ماءَ الغيمِ

ومنقوعَ ورقِ السدر

وضَعتْ تميمةً مخطوطةً بالطلاسمِ

قلادة

تستدعيكَ كلّما ارتجفتْ مفاصل

 

أين تقطنُ، أيُّها الحُبُّ؟

كي أبعثَ حَرَسًا يجلبوكَ

لترقدَ تحتَ قَدَمَيّ

مُكبّلًا مُطأطأ الرأس

رأسُكَ بين يَدَيّ أُقلِّبُهُ مثلَ دمية

أضعُ يدي أمامَ أنفِكَ

لأتأكَّدَ أن هناكَ نَفَسًا يخرجُ منكَ

 

 

أسمعُ العاهراتِ يتأوَّهنَ خلفَ الأبوابِ

مع رفاقهِنّ

وأنتَ تمدُّ يدَكَ

تربطُ بينهم

تُضيِّقُ الخناقَ عليهم

هُنَّ يتأوَّهنَ

هم يتأوّهونَ

وأنا أذوبُ توجُّعًا

ترفعُ رأسَكَ

بابتسامةٍ لئيمةٍ من طرفِ فمِكَ

 

 

ماذا أفعلُ لكَ، أيُّها الحُبُّ؟

تخلَّيتُ عن تاجي

دُرتُ في الأزقّة

بثيابٍ مُمزّقةٍ وشَعْرٍ منكوشٍ

أمدُّ يَدَيّ للماشينَ في الطُّرُقات

لا أحدَ يراني

أكلتُ الخراءَ

حسبَ وصفةٍ شعبيةٍ قديمة

نمتُ بين الأفاعي

أرتجفُ من الحمَّى

شربتُ بُصاقَ المجذومين

بأظافري نزعتُ طبقاتِ جِلْدي

ولم يرفَّ لكَ جفنٌ ..

 

 

ماذا أفعلُ لكَ، أيُّها الحُبُّ؟

أَقْفَرْتَ الطُّرُقاتِ التي تصلُني

رَشَشْتَ عقاربَ

وزجاجًا مُهشَّمًا في الطريق

وضعتَ متاريسَ على النواصي

وخلفَ الزوايا

أطفأتَ المصابيحَ التي تقودُ إلى قلبي ..

 كُلّ صباح

أُنظِّفُ هذه الأزقّةَ والطُّرُقات

من الزجاج المُهشَّم والعقارب

أُنظِّفُ المصابيحَ جيّدًا

أملؤُها زيتًا نقيًّا

أُضيئُها، وأذهب

أسحبُ المتاريس

بذراعَين نحيلَتَيْن عاجيَّتَيْن

ثمّ أعودُ

أنتظرُ على دكّةِ بابي الخشبيّ

 

لأجدَ الأزقّة والطُّرُقات

مُغطّاةً بالزجاج المُهشَّم والعقارب

المصابيحُ مُكسَّرة

الزيتُ متناثرٌ على ذُيُول فساتين النساء

ثيابهنَّ نظيفةٌ

وُجُوههنَّ ورديةٌ

ساحاتُ بيوتهنَّ مُغطّاةٌ بماءِ الليلةِ الفائتة

كُلّ ليلةٍ أُكرِّر الطقسَ نفسَهُ

أنتظر

ربّما يمرُّ طيفُكَ في ليلةٍ مُكتملةٍ

 

 

وحينما تأتي

تمرُّ كإلهٍ قاسٍ

ناظرًا بشماتةٍ إلى قلبي الذي ينكمش

تُمرِّرُ يَدَيْكَ عليه

لتَعلمَ كم من الطراوة بقيتْ فيه

ترفعُ رأسَكَ راضيًا

عندما تُدركُ أنه ينبضُ بخفقاتٍ بطيئةٍ مُتعثّرةٍ

تمشي واثقًا

غيرَ مكترثٍ لصراخي خلفَكَ

وقَدَمَي اللتَيْن ينزعُ الزجاجُ المكسورُ جِلْدَهما

وتغرزُ العقاربُ نَفَقًا في أعصابهما

تمضي، ولا تلتفتُ، أيُّها الحُبُّ

وأنا أتفتّتُ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

شاعرة فلسطينية ـ والقصيدة من ديوانها “ثقوب واسعة” الصادر مؤخرًا عن منشورات المتوسط

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project