صلاة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سوسن الشريف

"وقف في مفترق الطرق بين نهرين من لبن .. بالعسل الأبيض مُحليين.. واحتار .. أيرتوي أم يكمل الطريق"

كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

هو لا يحتاج أن يبذل جهداً في تذكر ذلك اليوم، وهذه الصور المتناثرة حوله ليست سوى ضوء خفيف يصل به إلى المنتهى، ولا سيما تلك الصورة التي لا تفارقه، فقد طُبعت هذه اللقطة بداخل ذاكرته، مجرد لقطة أضاءت أنهارًا من النور الجاري بين ضفتي العقل والقلب.

‏ألتف الجميع من حوله كالعادة في هذه البقعة المباركة من الأرض، التي لا تذخر سوى بالزوار المثقفين، والمهتمين بالآثار من الأجانب. في محافظة المنيا كنوز أثرية، معابد شيدها اخناتون وزوجته نفرتيتي، مدينة أثرية كاملة شيدت فوق الجبل، ومقابر حُفرت في قلبه، استراحة طه حسين التي صُورت فيها روايته “دعاء الكراون”. كان مندمجًا في الشرح، غير ملتفتٍ ولا مبالٍ بأي نوع من الجمال الأنثوي المتناثر حوله، لأنه مأخوذ بهذه الحضارة المحتفظة بألوانها على الجدران. إلا أنها لفتت نظره بأسئلتها البسيطة القوية، وخاصة أن أكثر هذا الفوج الصغير كان يهتم بأشياء سطحية، بدأ يستشيرها في الأماكن الواجب تجنبها حتى لا يشعر الفوج بالملل، رغم أنها لم تكن من المسئولين، وجد نفسه ينفذ آراءها السهلة المقنعة.

في اليوم الثاني من الرحلة، سألته عن مكان للصلاة، كأنها فتحت طاقة نور بداخله، فهي الوحيدة بين الحاضرين التي مزجت بين المتعة الروحية والمعنوية، طلب منها أن تنتظره ليصلوا جماعة، وكأن الصلاة خلقت بينهما رابطًا ما. اعترف بينه وبين نفسه أنها لم تتعامل بأي بطريقة توحي بالقرب، لكنه مقتنع بأن ما نما بداخله فجأة كزرع شيطاني ملائكي، احساس غريب وجميل، يطفو على قسمات وجهه الخمري كلما تحدث إليها، وأضفى على نظرته لمعة شفافة كلما لامست عيناه وجهها.

لشدة تأثره بها، قرر أن يخرج ما لديه من كنوز لا يُطلع عليها أحد، إلا من يقدرها. بينما هو مندمج بالحديث مع الحاضرين شع ضوء أبيض مرمري في عينيه، كاد يحجب عنه الرؤية، مع ذلك ظل مثبتًا نظره عليه، تلعثمت الكلمات بين شفتيه، خانته الذاكرة، تناثرت الأفكار كحبات رمال في يومٍ عاصف. أعاده للحياة طلبها بأن يلتقط لهم صورة، التقط صورة بكاميرته الخاصة، لكنها طلبت أن يلتقط صورة بكاميرتها هي، انتفضت فجأة وأعطته ظهرها، وسريعًا ما عادت لتأخذ وضع التصوير، وتنير وجهها بهذه الابتسامة البيضاء.

كل يوم يمسك بهذه الصورة المختلفة عن تلك التي معها، يحفر تفاصيلها بجدار قلبه، حفظ خطوطها، ألوانها، يخيل إليه أحيانًا أنها تتحرك، يتنسم عطرها المميز. يشعر بخصلات شعرها الناعمة تنام بهدوء على كتفه، قميصها الأبيض يجعلها تبدو كملاك أحيانًا. يملس بنظره عليها إلى أن يقف على طاقة النور التي تفجرت عندما انفلت أحد الأزرار، ركز نظره على هذا الضوء المشع من الصورة، وراح يفك باقي الأزرار، لم يستطع كبح هذه الرغبة في اكتشاف كهف المرمر المغمور.

وقف في مفترق الطرق بين نهرين .. من لبن بالعسل الأبيض مُحليين .. واحتار .. أيرتوي أم يكمل الطريق!؟كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

لم يستطع التوقف، حتى بعد أن أغمض عينيه، اصطدم بوجهها، شعر بالخجل، شعر بالرغبة، نار تتأجج بداخله لا يعرف كيف يُخمدها، في الحقيقة لم تكن رغبته جادة في مقاومتها. مد يده للهاتف، طلب رقمها، أتاه صوتها متسائلًا عن سبب الاتصال، كانت جافة، باردة بما يكفي لإخماد أكثر النيران اشتعالًا. اغلق الهاتف وراح يمزق الصورة، يجردها من كل رداء، كاد يفترسها.

طلت عيناها وسط الصور الممزقة، تنظر إليه ببراءة، متسائلة عن مكان للصلاة.

أغلق كل الأزرار التي اقتلعها، غلفها برداء حريرى شفاف كروحها.

ذهب معها مرة أخرى.

النار التي اشتعلت بداخله لم تخمد بعد .. تحولت إلى نور

كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

ووقف في مفترق الطرق بين نهرين .. من لبن بالعسل الأبيض متحليين

واحتار ..

يرتوي وإلا يكمل الطريق .. وهو العطشان

كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

كم أحب تلك النجوم الصغيرة الملونة .. ورائحة اللافندر

التي تطبعها على يدي بسلامك العابر

والآن هل علمت لماذا يرتدي صوتي ثوب الفرح كلما تحدثت إلىَّ ..

 

 

مقالات من نفس القسم