كُتب نص العرض من قصص مرّوية بالفعل من نساء من داخل مستشفي العباسية للصحة النفسية؛ لتكشف المعاناة التي تمر بها النساء فى المجتمع المصري، وبالأخص النساء و الأطفال الذين يعانون من أمراض نفسية وعقلية بشكل غير مُعلن للآخرين. ذلك من خلال الثلاث بطلات في العرض اللواتي يقمن بدور الأم والطفل بشكل متبادل بينهن، فتعرف إحدى الأمهات معنى الاكتئاب وأعراضه بشكل علمي إلى أن نصل لاعتيادنا له في حياتنا اليومية. تتكرر تلك التفاصيل بنفس الجمل الحوارية على أرض الواقع ولكن يأخذ مع العرض شكل أعمق مما يبدو علي السطح. ويصبح العرض رحلة داخل إنسان يعاني من أمراضًا جسدية ونفسية؛ بل بمعني أدق يعيش داخل مجتمع مريض نفسيا وجسديا فيُسقط كل تلك الأمراض على أفراده. وإن كان اختص العرض المسرحي “تاء ساكنة” بالنساء ولكن من الممكن أن يواجه الرجل كل تلك العواقب، وإن لم تكن بدرجة معاناة المرأة نفسها التي لا يزال تستمر في الحكي لتبقى على قيد المجتمع. جاء العرض بالنساء والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ليحكي عن الفئة المهمشة في المجتمع والدفاع عن حق تواجدهم كما هم مع الآخرين، ولكن إلي هذه الدرجة قد تقع المرأة في ذلك الإطار المهمش؟يُقدَّم العرض في فضاء مفتوح خارج مسرح العلبة، مما شكل تواجد الجمهور بالشكل الدائري جزء من سينوغرافيا العرض، بجانب أن العرض لم يعتمد عناصر ديكور سوى القليل منها؛ صندوق خشبي كبير، إطارات السيارات، وقطع قماش متناثرة. وعند دخول الثلاث نساء يصطحبن معهن صوت خارج من صفارة الحكم، كأننا في لحظة فارقة ولابد الإنصات لها، ثم يتم تداخل صوت النساء مع الطبول، ويعيدن تشكيل المكان من حولهن وتحتل كل امرأة إطار أو ((كاوتش)) حيث يصبح مساحتها الآمنة. وطوال العرض يظل يصاحب الحكي فعل ترتيب القماش وطيه، فتحاول أن تتغلب على الفوضى المستمرة من حولها وتعيد تهذيبها، أو لعلها لا تستطيع التهرب من مسؤولياتها حتى في لحظة اختلائها بذاتها. استند العرض على طرح مشاعر تتوغل في المرأة المصرية، مثل شعورها بالذنب إذا أصيبت بوعكة صحية، كما جاء علي لسان أحدى النساء “نفسي أبقي أم مثالية، حاجة كويسة لولدها”، وخذلان أقرب المحيطين بها في لحظات تعرضها لضعف ما، وكان أولهم الزوج المنسحب من لعبة الصراع بجانبها. والرجل في العرض إما منسحب، أو هو الأمل التي تلجأ له المرأة للهروب من ضغط المجتمع، ومع أحدي النساء تختلف هذه الصورة -على غير العادة- ويصبح هو الشريك في الحياة. وأعطي العرض مساحة لمناقشة موضوع لم يتم يتطرق له العديد من الأعمال الفنية بهذا الشكل من قبل ، وهو التعامل مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحديدا من ذوي التأخر في الإدراك العقلي والأطفال المصابين بالاكتئاب وذوي الأداء الاجتماعي المقترب إلي الطبيعي -وقد تكون تلك إحدى الإشكاليات-. يظل يتلاعب معنا العرض في ما يحمله سرد هؤلاء النساء اللاتي تظهرن في العرض بملابس قريبة للواقع وتحكي عن أعراض ومشاكل نسمعها في مجتمعنا، المرأة ذات ال38 عاما ولا زالت تعاني من مراقبة المجتمع لها، والمرأة الأخرى المتهمة في أخلاقها لمجرد حبها للحياة، ولكن مضاف إلي ذلك بين حين وآخر تفسيرات علمية للأمراض نفسية وعقلية وجسدية.
نهايةً عرض ((تاء ساكنة)) يعرض حياة أم مع طفلها وكليهما مريضين، في مواجهة مجتمع صاحب المفاهيم المشوهة إنسانيًا. ويطرحها في إطار مبسط بصريًا وفنيًا ومسرحيًا. ولكن إذا كانت مداومة المرأة على السرد جعلها تخترق ثوابت الروي التقليدية ومنها أن الحكي أو السرد وسيلة للتواجد؛ قلبتها المرأة في الزمن الما بعد حداثي لتصنع هي نفسها ذاتيًا وموضوعيًا متخذة الحكي هدف رئيس ليس مجرد وسيلة وحسب. خاصة مع اختيار المخرجة نهاية العرض بالرقص و جذب البطلات للجمهور للمشاركة معهن في الرقص علي أغنية ((ببتسم من كتر حبي للعالم)) بعد جرعة مكثفة من الخذلان والألم الذي لا يزالن محاطات به. ولكن يظل هناك سؤال مُلح، أي صورة للمرأة يحاول العرض طرحها، المرأة المابعد حداثية وبالتالي الحكي ف العرض المسند بمفاهيم علمية عن الاكتئاب والإعاقة وغيرها يعبر عن حكي غير تقليدي ، أم أنه لا تزال شهرزاد تلجأ للحكي لتنجو من الموت من شهريار فقط .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناقدة مسرحية