عندما سمعنا كبيرهم نحذر بعضنا أن يدهسونا لم يبتسم كسليمان .. بل كان متوترا ً وقال : ( الأمر لن يستمر طويلا ً فقط نرجو الهدوء )
تبدأ الأحداث كإشاعة يتلقفها الناس يحاولون بلعها تتوقف لثوان في بلعومهم ثم تنزل بصعوبة معتادة.
الخارجون من بيوتهم بخروج الشمس .. السائرون وراء بهائمهم .. بهائمهم التي تشاركهم مسكنهم وفي حالتهم الخاصة جدا ً ليلا ً.. يتناثر عليهم رزاز بولها.. الأولاد الذاهبون لمدارسهم.. بكتب بلا أغلفة .. كل هؤلاء يتبادلون الخبر
أصبح الكل يعرف ولكنهم مازالوا يتكلمون ! .. ربما لأنهم يريدون أن يصدقوا ما يقولون .. أو ربما لأنهم لا يجدون شيئا ً أخر يتحدثون عنه
سوف تتعجب قليلا ً عندما تستيقظ ذات صباح حار بلاَ سبب.. وتجد أشجاراً طويلة ذات أوراق قد نبتت فجأة.. الشوارع رصفت وصارت جديدة .. أكوام القمامة التي عمرها من عمر الإنسان هنا اختفت فجأة و مكانها لافتة كُتب عليها إننا نرحب بالزائرين.. الحوائط ووجهات البيوت طُليت كلها بلون واحد.. ذهبت بقايا كتاباتنا الطباشيرية .. رسومنا الركيكة .. أيادينا المغموسة في دم الأضاحي.. شيء من طفولتنا البعيدة .. نبتسم بداخلنا كلما زارته أعيننا ..
الخطوات التي اعتدنا أن نمشيها بسبب وبلا سبب نضطر الآن لتغييرها
يسارك احذر .. يقف عسكري ينظر إليك في شك لا مبرر له
تحدث ( عبد الغفار ) المحامي عن التنمية والتقدم الذي يعم الوطن , الناس أحيانا ً يفهمون وأحايين كثيرة لا يفهمون وفي كل مرة يهزون رؤوسهم في صمت , ويؤكد أن هنا ستكون لنا مدرسة للبنات وعيادة لتنظيم الأسرة, ( الكل مُصيّر لما خلق له) هكذا تحدث الشيخ ( قرني ) وقال في خطبة الجمعة أن طاعة ولى الأمر من طاعة الله.
( وهذه الشجرة تعوق الرؤية ) قالها الضابط كتبرير لا يقبل النقاش، الآلة الصماء تحفر وتقلع كأنما في أحشائك.. من كثرة ما عاشرت تلك الشجرة كأن بها شيئاً منك أو أن بك شيئاً منها.. صلابتها.. أعشاش اليمام فوقها .. أصوات العصافير .. لحاؤها المليء بالاعوجاج كأنما نفسك المضطربة ..صعدوا إلى السطح .. بنية الحمام أيضا ً كانت عائقا ً .. طار الحمام بعيدا ً ما لم يجد ما يسكن إليه.. كل أشيائك الخاصة التي تبادلك النقاش أصابها الخرس.. ترفض التواصل معك ربما تمد يدك إلى حبة التوت فتنوء بنفسها عنك .. كنت تسير مغمضاًُ الآن فلتفتح عينيك جيدا ً فثمة أشياء ليست في مكانها الطبيعي.. أشياؤك تنكرك ولا تعرفك.. تحسس نبض قلبك جيدا ً فلربما تجده باليمين .. أو لا تجده.
عندما توقف الضابط أمام الباب انكمشت وحدات اللحم الحي في ركن واحد كنت أنظر إلى أحذيتهم الضخمة بها قطع من حديد وطأ أحدهم مرقد أبي.. أبي يرتعد بدون داع ٍ .. عرفت بعد ذلك أنه يفعل كلما رأى أُناساً بالزى الرسمي .. دبت حركة غريبة وسريعة.. الوجوه متوترة ومشدودة .. عربات ذات زجاج غامق جاءت تصطحبها عاصفة من التراب
( فليلزم الجميع بيته ) اليوم الامتحان الشهري
( إياك والحركة يا أحمد ) تهمس أمي.. أناس بأسمائهم يحضرون لوضع حجر الأساس
( لا تنظر من الشباك يا أحمد ) أناس آخرين يقتلهم الفضول ولكن فضولهم يظل داخل حدود الجمجمة.
( الامتحان الشهري يا أمي )
( لا تقترب من الباب يا أحمد ) .. كان صادقا ْ وانتهى كل شيء سريعا ً
سُمح للعائدين من المدينة بالدخول .. ذاقوا طويلا ً حبات عرقهم المر وهم واقفون أمام القرية.. تحت الشمس.. لم يحسوا أبدا ً بالمهانة وهم ممنوعون من الدخول، جلسوا يمسحون أعينهم من بقايا إشعاعات الشمس وهم يبتسمون ويقولون (الحركة كانت موقوفة في المدينة أثناء مرور الموكب)
( إياك أن تتحرك يا أحمد ) صوت أمي مايزال
الامتحان الشهري.. بدلا ً من الدرجات سيوضع حرف ( غ ) كبير، لن تنظرَ لي( نشوى) بإعجاب ككل شهر, لن تكون ابتسامتها الرائعة بانتظاري، اقتلع الهواء اللافتة.. عاودت أكوام القمامة الارتفاع، تكلم الشيخ (قرني) مرة أخرى عن عذاب النار, والناس وراء بهائمهم يبحثون عن شيء آخر يتحدثون عنه، وأنا أبحث عن أشيائي
وعن التوتة
ونشوى
والحمام.