شبقٌ يرتكب المجازر
محمد إبراهيم قنديل
عاريةً كسماءٍ صيفيةٍ كانت تجاورُه، أطلَّ من ثقبِ عينيه يستكشفُ اليقظةَ نصفَ مخمور، تثاءبَتْ أحلامُهُ علَّها تبتلعُهُ مرةً أخرى لكنَّ إنذارًا مجهولًا نقرَ دماغَهُ فهبَّ مذعورًا.
فتحَتْ عينيْها لتراهُ جالسًا كتمثالٍ بلا حياة، مدَّتْ ذراعَها من تحتِ الغطاء فارتطمَتْ بعضوه العاري، ارتعشَ وانكمش، ابتسمَتْ ببساطة
- كم الساعة يا بيرو؟
مدَّ يدًا مرتعشةً إلى الكومودينو يبحثُ عن هاتفه
- السابعة والنصف.
- ماذا أيقظَكَ الآن؟ اليوم هو الجمعة. وخرجَتْ الكلمةُ الأخيرةُ عائمةً في غشاوةِ النوم الذي استسلمَتْ له بسرعة
- لا أستطيعُ النوم.
استرقَ إليها نظرةً مشبعةً بالشعورِ بالذنب فوجدها غارقةً في نومٍ لا يبالي بالعالَم كله، انسلَّ من تحت الغطاء، وقفَ في عريِه الكامل يبحثُ عن ملابسِه فلم يجدْها، هرعَ إلى الدولابِ يلتقطُ أيَّ شيءٍ يواري سوءتَه وغادرَ الغرفة إلى الحمام، يتصببُ عرقًا وهو يقضي حاجَتَه، وفي رأسِهِ طاحونةٌ تفركُ أعصابَه، لم يقوَ على طرحِ الأسئلةِ المناسبةِ على نفسِه في البداية، لكنَّ دوامةَ الخبطِ في رأسِه أرهقَتْهُ فهربَ منها إلى السؤال: كيف؟
كان وقعُ السؤالِ عنيفًا على وعيهِ المشوَّشْ كشلالٍ باردٍ مصبوبٍ في ليلةٍ عاصفة، حاولَ التهربَ من مساراتِ الذاكرةِ التي يفجرُها السؤالُ داخلَه، لكنَّ مساحةَ الحمام كانت أضيقَ من السماحِ له بالمراوغة، قضى حاجتَهُ واغتسل ثم صنعَ فنجان قهوةٍ وخرجَ إلى الصالون، وجدَ كلَّ شيءٍ مبعثرًا فلم يملكْ أنْ همسَ همسةً كأنهُ يحدِّثُ أحدًا آخَر "لقد فعلناها هنا."
لملمَتْ القهوةُ أعصابَه، واتكأَ على ظهرِه في سكينةٍ يتأملُ السقفَ ويسترجعُ ما حدث، زفافُ لبنى وماجد ، رقصُهُ مع الشلة حتى تصلَّبَ ظهرُه، ثم مفاجأةُ ليلى حين صعدَتْ أمامَ الكوشة ورقصَتْ على "يا مسهرني" فصفعَتْهُ مؤخرتُها وضبطَ نفسَهُ متلبسًا بالتحديقِ في خصرِها الملتف، سواريه بندقي يتهادى مع الموسيقى ليُشْعِلَ النارَ التي لا تنطفئ، أنهَتْ ليلى رقصتَها القاتلة وهبطَتْ إلى القاعةِ على مقربةٍ منه، أنفاسُها تتلاحقُ تحت ثدييها الرجراجين وعيناها شباكٌ منصوبةٌ حولَه، سارَ إليها حتى التصقَ بها.
- عبيط، ابن الموكوسة.
- مَن؟
- قليل البخت وعديم النظر، يُطلَّقُ كلَّ هذا؟
أدرَكَتْ مقصِدَهُ، فارتسمَتْ على شفتيها ابتسامةٌ لذيذة
- كلهم عديمو النظر يا بيرو.
- كلهم مواكيس يا لي لي.
دلَّلَها كأنه يقولُها لأولِ مرة، لقد كانت في هذه اللحظةِ بالذات لي لي، تخترقُه كرصاصةٍ وتصعقُه كسلكٍ عارٍ، استجمعَ شجاعةً خلَقَتْها الرغبةُ داخلَه.
- كأسي بيرة بعد الزفاف، احتفالًا بهذه الرقصة الجبارة؟
- لم لا؟ ثم استطرَدَتْ بدلال :هل أعجبَتْكَ الرقصة؟
- أسكرَتْني.
ضحِكَتْ ففتنَتْهُ وابتعدَتْ لتُسَلِّمَ على إحدى القادمات، وانخلعَ هو إلى العروسَيْن فسلَّمَ واستأذَن، تتبعَها بعينيه وخرجَ، انتظرَ في سيارتِه ما يزيدُ على الساعتَيْن رنَّ عليها فيهما أربعين مرة، خرَجَتْ بعدَها تتهادى.
- ساعتين أنتظر؟ طلبتُكِ مائة مرة..
- كان الهاتفُ في الحقيبة ولم أسمعهُ من ضجةِ الحفل، ثم ما كلُّ هذه اللهفة؟
- البيرة ستبرد يا لي لي.
- البيرة لا تُشربُ إلا باردة يا بيرو، سلامة عقلك.
- وأينَ هذا العقل؟ لقد اقتلعتيه من رأسي الليلة، إلى بار ديفالي؟
هزَّتْ رأسَها موافِقَة وألقَتْ بها إلى الخلفِ مستندةً على الكرسيّ بينما هو يقودُ السيارة إلى وسط البلد.
ثارت ضجةٌ فدلفَ إلى الغرفةِ لتنتصبَ حلمتاها في وجهِه بنيتين كثقبٍ أسودَ لا يمكنُ فعلُ شيءٍ إلا الاستسلامُ لجاذبيتِه، اعتصرَهما في يديه، فهيَّجَتْهُ بدلالِها.
- السوتيان.
- نعم؟
- هرستَهما يا شقيّ .. كدتُ أفطسُ تحتكَ أمس، لو ظلتْ أمورُكَ هكذا سأزورُكَ كُلَّ خميس، أين خلعتُ السوتيان؟
انقضَّ غارسًا أشياءَهُ فيها حتى ارتخَتْ أشياؤها، وجلسَ بعدَ ساعتين يتجشأُ ومعدتُهُ تتمزقُ من الغازات فالتهم أقراصَ الحموضة والانتفاخ حتى هدأَ هيجانُ جهازه الهضميّ.
تمالَكَ أنفاسَه ومفاصلَه، جمَعَ العظامَ والملابسَ والبقايا وألقاها في حفرةٍ بالبدروم مع سابقاتِها، ثم صعدَ مُتْعَبًا ليُجَفِّفَ الدماءَ والفوضى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص مصري