ڤيرجينيا وولف وصخرة سيزيف

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

الحجر الذي وضعته

ڤيرجينا وولف

في معطفها

لتنتحر

قد تفتّت

من صخرة سيزيف.

حين قرأتُ رسالة انتحار ڤيرجينيا وولف لأوّل مرّة أحسست أن شخصاً ما داخلي بدأ يتحرّك، وأنّه في كلّ مرّة أقوم فيها باكتشاف الحياة أكثر من السابق يبدأ بالتحرّك هو الآخر أكثر من قبل، شيءٌ يشبهُ إلى حدّ بعيد زيادة الماء وزيادة الدقيق، كلّما أصبحتُ روحي التي أرى بها العالم والأشياء من حولي، سوداوية ومظلمة وحزينة وأعينها ذابلة، كلّما تسارع هذا الرجل في النموّ والكبر داخل روحي. إنّه رجلٌ سوداويّ وغير مستعدّ بتاتاً ليدير عينيه للحياة، لا يرى سوى الأشياء المظلمة والسوداء والقاحلة والتي توجد في مناطق نائية وبعيدة وغير مستهدفة وبلا أهميّة؛ والتي غير قابلة لا للتطوّر ولا للنموّ، وكلّما اقترب منها إلّا وابتعدت منهُ في اتجّاه الظلمة والسوداوية والعزلة، وأخذتهُ أكثر إلى أعماق روحي السحيقة. كان في الماضي مجرّد نواة صغيرة، لم يكن لا مشروع نبتة ولا مشروع رجل ولا حتّى وردة، كان فقط نواةً، صغيرة بيضاء، ثمّ سرعان ما أخذ يتشكلّ ويأخذ هيئة، لم تكن هيئة محدّدة في البداية، باعتباري أنّني أرى أكثر بروحي، فقد كان مرّة وحشاً صغيراً، مرّات يشبهُ بوريس كارلوف في دور فرانكشتاين، الذي كان وحشاً ألياً يقوم بالإستماع إلى أوامر مخترعه ليؤذي بطل الفيلم، لكنّ فرانكنشتاين الذي تشكلّ داخلي، لم يكن يسمعُ أوامري وأبطال حياتي الذين ينغصوا عليّ وقتي وسعادتي وقرارتي، لم يؤذهم أبداً، بل ظلّ محافظاً ومركّزاً أكثر على ذاتي؛ ومرّات كان يشبهُ غول جدّتي الذي خطف هاينة بعيداً عن أنظار أمّها، قد تكون هاينة أيضا كانت تستوطنُ البادية وتقيم في بيت معزول جدّاً ونائيّ، وقد استغلّ الغول هذه النقطة ليخطفها. وأحياناً أخذ هيئة طفل صغير، وقد مرّت عاشوراء ولم يشتر لهُ والدهُ لعاباً، يظلّ هذا الطفل أيّاماً طويلة يجلسُ في البيت، خائبا وحزينا ودموعه على عينيه حتّى تنتهي هذه الموجة وتعود كما جاءت إلى البحر.

إنّه لا يأخذ الأشكال الأكثر اجتماعية وسعادة، بل يعزم في كلّ مرّة أنّ يكون ذلك المخبول طوال الوقت، والذي يصرّ على اختراع العزلة والجدار والمسافة أكثر في كلّ مرّة حتّى بلا سبب واضح، اتجّاه الأشياء واتجّاه هذه البشرية الحمقاء واتجّاه الحياة واتجّاه العالم ككلّ دونما هوادة أو ترّفق أو لينة. من الصعب أن تقنعهُ أن شيئاً ما يستحقّ التضحية والحبّ والحياة، بل أعمق من ذلك يذهبُ إلى اعتبار الحياة سببا أساسيا في الأشكال التي يأخذها والتي تكون في كلّ مرّة أشدّ بؤسا وسوداوية من السابق، بالتالي فالحياة التي يراها من عيني روحي هي من تجعلهُ أكثر نموّا وقسوة، والتي تجعلهُ يأخذ قراراً ضدّ روحي وضدّ حياتي.
في المرّة الأخيرة التي شاهدتُ فيها فيلم the hours الذي يتحدّث عن رواية السيّدة دالواي لڤيرجينيا وولف، عرض الفيلم مشهداً لڤيرجينيا وولف وهي تنتحر، الغريب في الأمر وأنّها وهي تغرق بعد أن أثقلت معطفها بالحجر، لم تبد أيّ رغبة في المقاومة أو الصمود، بل جعلت نفسها تغرقُ أكثر. كان مشهداً بطولياً رائعاً لا تشعرُ بحلاوته إلّا داخل روحك، روحك التي منذ أن مات سيزيف وهي تحملُ الصخرة. ڤيرجينيا وولف المنتحرة جميلة وأكثر إغراءً من ڤيرجينيا وولف الكاتبة، بل حتّى رسالةُ انتحارها من أفضل ما كتبت، بل ومن أفضل ما كتب في أدب رسائل الانتحار، رسالة تفتحُ لك مجالا واسعاً ورحباً من الأسئلة الوجودية التي ترتبط بوجودك وبفلسفتك وبنظرتك العميقة صوب الحياة وصوب الأشياء التي تبدوا لك هامّة وضرورية. حتّى حينما قرأتُ الرسالة للمرّة الأولى أيضاً وبحثت عن الطريقة التي انتحرت بها، تخيّلت ڤيرجينيا وولف تأخذ شكل صخرة عملاقة تهبطُ بسرعة من سماء بعيدة بلا نجوم، مباشرة إلى قاع الوادي، كأنّها أيضاً كانت منذ سنوات تحملُ صخرة سيزيف.

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم