لم يكن كل العرسان بهذا السوء، فهناك من يتغاضى عن هذه الشكليات لكنه يصر على أنها حرة فى طولها، شرط ألا ترتدى البنطلونات أو الجيبات القصيرة وألا تشاهد قناة «الجزيرة» وألا تكون قد أعجبت بـ«رشدى أباظة» أو «آل باتشينو» رغم عماه فى «عطر امرأة».
كل شىء كان يعاندها حتى ساعتها البيولوجية ومع كل شهر يموت لها طفل كانت تتمناه.. تتجمع البويضات الميتة فى ركن مظلم من روحها وتقيم مأتمًا خاصًا دون بكاء أو عويل فقط بحرقة وتنهيدات تضيف مع حركتى الزفير والشهيق تجعيدات رهيفة، وحدها البنت تلاحظها فى مرآتها المحدبة. هذه الخطوط هى التى بدأت فى جعل الشبه بينى وبين البنت التى مازالت تشبهنى يقل رويدًا، فوجهى لا تظهر به أى خطوط وساعدها هذا فى محاولاتها الدءوبة للتخلص من أى شبه بيننا بناء على طلب أحد المتقدمين رسميًا لطب يدها، ففى أثناء جلوسه فى غرفة الصالون، أشار إلىّ وسأل:
– البنت التى تشبهك هل مازالت صاحبتك؟
لم ترد البنت، لكن «طنط نادية» حسمت الأمر:
– أبدًا يا روحى. ابنتى عقلها يوزن بلد.
انتظر العريس من البنت توكيدًا ولو بهزة رأس، لكن صمت البنت أخرج للعريس لسانه، ففر ولم يعد. مثله مثل غيره ينبهرون بى كثيرًا طالما كنا أصدقاء، وعندما يأتى الحب يكون عليها أن تختار بينى وبينهم، وعند سيرة الزواج يكون عليها أن تلعننى فى صلواتها الخمس والنوافل تقربًا لرجلها الذى لا يأتى ولا يرضى ويتوقع المزيد من العبادات.
حيرة البنت زجتها فى دائرة الاضطراب، تباعدت بيننا المسافات وصارت تغض الطرف عن رؤيتى.
ذات مساء جاءتنى متضرعة:
– أعلم أننى مرغوبة. على ذاكرة جهاز الكمبيوتر قائمة بتسعة وتسعين ممن تقدموا لخطبتى وأظهروا حبهم لى، أرجوك إذا ظهر المائة لا أريد أن أفقده، لا أعرف مسبحة أكبر من ذلك.
سألتها:
– والحل؟
– فكرى أنت.
ذهبنا إلى عرافة فى جبل المقطم، قلبت العرافة أوراقها، استطلعت نجومها، ثم أطلقت ضحكتها التى تحولت إلى رياح خماسينية كنست شوارع القاهرة، تكومت أوراق الأشجار الجافة عند باب كهفها، فأمرتنا بجمعها ووضعها فى قدرها النحاسى المزرنخ، وأخذت هى تتمتم بتعاويذها وتقلب ما بالقدر، وبالمغرفة الحديد غرفت لنا شرابًا ترابى اللون وأمرتنا بشربه. ما إن انتهينا منه حتى أصبحت كل واحدة منا تقف ووجهها فى عكس اتجاه الأخرى. ولأننى لم أشرب كوبى كاملًا لم تستطع العرافة أن تفصلنا تمامًا، فقط ظللت موجودة على كتفها اليسرى، وكانت العرافة ماهرة، ما جعل صوتى أو إشاراتى لا يصلان إليها.
تجلس العجوز على الأرض، تجذب صاحبتى إلى جوارها، وبعود جاف تخطط على الرمل سيركًا خيامه متنقلة، تدفع بالبنت إلى حلبته، يتردد زئير أسد، تخاف البنت، تحفر العجوز فى الرمل، تتقدم البنت بوجل.. تدخل رأسها فى فم الأسد، يطبق عليها، يقضمها، تسحب جذعها قليلًا، تبقى الرأس الصغير فى الفم الهائج، تسير البنت بجذعها، تقترب من الأسد، تربت على عنقه، تروى لها العجوز نكتة بذيئة، تلقى بها البنت فى أذن الأسد همسًا خوفًا من الرقابة على المصنفات الفنية، يضحك، يتدحرج الرأس، تلتقطها البنت، تلصقها «بأمير»، فيهلل الجمهور، يزأر الأسد مطالبًا بنكتة أخرى، تهز له البنت مؤخرتها وتقفز بليونة بين لعبة الدرابزين، وعندما تدق الطبلة دقات التوتر والقلق بم… بم.. تؤدى الفقرة الأخيرة، تقفز على الأرض، تتفتت إلى آلاف القطع، يشهق الجمهور، يشهق أكثر وهى تتجمع كلعبة دومينو ويعود كل عضو فيها إلى مكانه الصحيح، وعندما تفرد قامتها يحيى الجمهور البلياتشو الذى تخفى الألوان كل شىء فى وجهه عدا ابتسامة ناصعة دائمة البياض، تغلق الستارة فتخلع البنت طاقم الأسنان المثبت فى فكيها وتضع قطرة تزيل انتفاخ عينيها.
تربت العرافة على كتف البنت:
– تدربى على هذه الألعاب ولن يمر هلال دون أن يأتيك ابن الحلال.
وفعلًا انكشف السر الأعظم وجاء رقم المائة من بين الجمهور المفتون بألوان البلياتشو وحركات لاعبى الأكروبات وأدب القرود.
بعد شهر العسل احتاجت لغسل وجهها، ففوجئ المائة بأنها ليست لاعبة السيرك، بل مجرد امرأة، تحيض، تتمخط، تتبول، تتغوط، فعاد بها إلى السيرك، لكنهم طردوه وهم يرددون:
– البضاعة تستبدل ولا ترد.
ظل المائة مصدومًا متعجبًا من تغيرات وخداع النساء. لكنه أبدًا لم يطلقها. فلاعبات السيرك يمكنهن أن يقدمن بعض العروض المجانية فى أيام الآحاد والخميس، بما يجعل عادل إمام يردد وهو يثنى جذعه:
– أما عطيات دى عليها حركات.
…………………
من مجموعة: الحور العين تفصص البسلة