ارفعوا رؤوسكم. افتحوا أعيْنكم!

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 في يومٍ من الأيّام داهمَ رجالُ أمنِ الحاكم منشأةً لطحن الحبوب، وخزنها. جلبوا معهم عدداً من الحافلات، وأمروا الموظفات، والموظفيْن بركوبها. انطلقتْ الحافلات بأولئك التعساء على طريق. لم يجرؤ أحدٌ منهم على السؤال عن الوجهة التي يقادون إليها. كانوا، جميعاً، تحت غيوم الحنق المنتفخة في أعين مقتاديهم

توقّفت الحافلاتُ، أخيراً، أمام بوّابة مدرسة، وأُمِرَ الرّكابُ بالترجّل منها. في ساحة المدرسة صُفّت كراسٍ سود بمواجهة عمود حديد يحمل حلقة، هي الحلقة التي تُرفعُ إليها، عادةً، كرةُ السّلة. ومن تلك الحلقة تدلّى حبلُ مشنقة، على منصّة خشب. تهالك موظفو الحبوب، وموظفاتُها على مقاعد الكراسي السّود. لم يطُل الأمر. خطَبَ رجلٌ بنظارة سوداء على عينيْه. قال أخيراً: هذا مصيرُ مَن يتلاعب بقوت الجماهير.

من بوابة المجاز المؤدي إلى الصّفوف داخل مبنى المدرسة ظهر ثلاثة رجال مقيّدين برفقة ثلاثة رجال أمن. شُنِق الرّجال الثلاثة واحداً بعد آخر على عمود سلّة كرة القدم. أُرغِمَ الجالسون على الكراسي على الجلوس بانتصاب، ورفع الرؤوس، وفتح العيون على تفاصيل عملية شنق المشنوقين. كان بين رجال الأمن رجلٌ كُلف بمهمّة مراقبة الموظفين، والموظفات، لتأمين مشاهدتهم عملية الشنق بحذافيرها. هذا الرّجل رفعَ مسدسَه، وأطلق رصاصة وصرخ: الويل! لمن يُغمضُ عينيْه.  

كان رجال الأمن في عجلة من أمرهم، لتنفيذ واجبات عديدة على مسرح عملهم المكتظّ. وقبل ذلك لا بدّ لهم من إعادة العاملين في الحبوب إلى منشأتهم. وذلك يفسّر هذا التفصيل الصغير في حدث الشنق: كان أحد رجال الأمن بديناً، وبدا أنّه لا بدّ من استعمال بدانته في تحقيق موت سريع ومؤكّد للمشنوقين قبل تركهم لدفّانيهم. وهكذا، لم يكن البدين ليتوانى، فما أن يتدلى المشنوق في الفراغ حتى يتعلّق به لافّاً ذراعيْه حول جنبيْه، متدلّياً معه، وجارّاً إيّاه إلى أسفل بثقل جسده.  

في كلّ حكاية ينسى المرء أمراً مهمّاً. أرجو أن تغفروا لي نسياني حقيقة أن المدرسة كانت في عطلة منتصف عامٍ دراسيّ.   

مقالات من نفس القسم