السّفر ليس فقط انتقالًا من مكان إلى مكان، لكنه انتقال من حال إلى حال، وكل انتقال مكانى إن لم يتبعه تغير فى الرؤية والفهم للعالم واكتشاف لمناطق غير مأهولة فى نفس الإنسان فهو مجرد جهد وتعب لا يعول عليه.. يقول ابن سيرين: «السفر فى المنام يشير إلى الطريق التى يسلكها الشخص لتحقيق أهدافه وطموحاته، ومن سافر فى المنام واختتم سفره فسينجح فى تحقيق أهدافه الحالية».
كل رحلة هى تجربة وحالة مستقلة بذاتها، نادرًا ما تقابل موظف الكاونتر نفسه، أو تركب الطائرة نفسها أو تلتقى بالطاقم نفسه. والترقب والتحفز سمة تسود إحساسنا فى المطارات، لكن هناك مطارات تدخلها وتخرج منها دون أن يعيرك أحد اهتمام أو يسألك من أنت؟ أو ماذا تحمل؟.
عندما تنخفض الطائرة قبل الهبوط، ونستطيع تبين معالم الأرض من تحتنا، يبهرنى فى المدن الأوروبية هذا البراح الأخضر المنبسط إلى مالا نهاية، هذه الجنة الخضراء تشعرنى بمدى ما لدى الأوربيين من نعمة سببها الماء، حيث لا تصحر ولا غبار ولكن حياة برية وغابات لم يبذل الإنسان جهدًا فى زراعتها، بل إن الأعشاب تشق أسفلت الطريق لتخرج منه.
بينما عندما تدخل الطائرة المجال الجوى المصرى تشعر بالتكدس، بالالتصاق، تبدو العمارات والمبانى أشبه ما تكون بعلب الكبريت المتراصة، قد توحى هذه الصورة بالدفء والحميمية، ويمكن أن يكون الإيحاء حقيقة، لولا ما يترتب على هذا التكدس من معاناة بسبب ازدحام الشوارع والمواصلات.
لا تختلف شركات الطيران التى تسافر عليها كثيرًا، فروق فردية طفيفة فى كياسة ولطف طاقم الضيافة أو اختلاف طراز الطائرة وما توفره من إمكانيات تكنولوجية كشاحن الموبيل أو الشاشة التليفزيونية لكل كرسى. وكان ما أغرب ما مر بى من مواقف على الطائرات، ما حدث أثناء رحلتى من باريس إلى روما، حيث اكتشفت أن كل ما تطلبه على خطوط شركة الطيران «فولينج» تدفع ثمنه عدًا ونقدًا فى الحال، حيث تمر المُضيفة لتعرض على الركاب ما قد يودون شراءه، كما يوجد فى ظهر كل كرسى كتيب مصور باللغة الإيطالية بأسعار المشروبات والمأكولات وهى أسعار عادية تماثل الأسعار فى المطار أو السوبر ماركت، وهذا ما يميز البلاد الأوروبية عنا، فسعر المنتج واحد أيًا كان مكان بيعه، فى حين يختلف ويتضاعف فى مصر سعر السلعة حسب مكان بيعها.
تقدم الشركة المشروبات الساخنة كالشاى أو القهوة أو الكابتشينو بسعر ٢ يورو وستين سنتًا، وسعر المياه والعصائر ٣ يورو وستين سنتًا، وأسعار السندويتشات والسناكس بوكس تتراوح بين ٦ و٨ يورو حسب النوع.. ليس هذا فقط ولكن كل خدمة تطلبها على الطائرة لها سعر مثل: أن تكون فى الصف الأول ويكون أمامك مساحة أوسع لها سعر مختلف عن الكرسى فى منتصف الطائرة، هناك كراسى للأوزان الثقيلة والأحجام الكبيرة من الركاب بسعر إضافى.
وقد اشتريت زجاجة مياه وزجاجتى عصير برتقال لى ولابنتى مريم، وقد دفعتنى هذه المفاجأة التى أشعرتنى بأننى على متن أتوبيس شرق الدلتا بالفضول للبحث عن هذه الشركة ومعرفة جنسيتها فعرفت أنها شركة طيران إسبانية منخفضة التكلفة، أُنشئت سنة ٢٠٠٤، تتخذ مطار ليوناردو دا فنشى بروما كمركز عمليات رئيسى، وتقدم خدماتها إلى ٢٠٠ وجهة، وقد نقلت ٢٠ مليون راكب عام ٢٠١٥.. هى شركة معروفة وفى نمو وازدهار، ولكن لا أنصحكم بالسفر عليها إلا إذا كانت تكلفة تذكرتها أقل من الشركات الأخرى بما يوازى إحساسك بعدم الولاء، وأنك مجرد زبون أو لست صاحب بيت كما تعاملك شركات الطيران الدولية مثل الفرنسية والعمانية والإماراتية والهولندية والسويسرية.
ومهما كانت خدمات الشركات الدولية، تبقى مصر للطيران هى الأقرب لنفسى، بمجرد عبورى من البوابة الأخيرة إلى ممر الطائرة أتحول إلى طفلة صغيرة التقت أحد أبويها فى الزحام، رغم أنى لست تائهة، ولم أتعرض لأى ضغط أو ضيق، لكن رؤية الصقر المصرى «حورس» تجعلنى أبتهج وأهتف “تحيا مصر”.